تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمشيئة قبل الارادة، والارادة قبل القدر، والقدر (4) قبل القضاء، والقضاء قبل الامضاء، وهو الخلق، وهو إبراز المعدوم في الوجود، وتأليفه، وتركيبه، فالمشيئة بالنسبة إلينا هي (1) الميل الاول بعد حصول العلم بالشئ. والارادة: هي الميل الثاني القريب بعد أن تنشطت النفس إلى فعله (2)، وصممت على إيجاده. والقدر: هو التقدير بالمقدار طولا وعرضا مثلا. والقضاء: هو التقطيع والتأليف. والامضاء: هو إبراز الصنعة في عالم (3) المصنوع، مثاله في المحسوس: هو أنك إذا أردت أن تخيط ثوبا، فلابد أن تكون عالما بالعلة (4) الغائية التي هي المرتبة الاولى، بيحصل لك ميل إلى لبس الثوب، وهذا هو المشيئة وهي المرتبة الثانية، فيدعوك ذلك الميل إلى لبسه إلى الميل إلى خياطته وتقطيعه، وهذا هو الارادة: وهي المرتبة الثالثة.

فتقدره أولا قبل تقطيعه، لئلا يحصل فيه الزيادة والنقصان، وهذا هو القدر: وهي المرتبة الرابعة، فتقطعه بعد ذلك على حسب وضع الثوب في كيفيته، فيحصل الغرض المقصود منه، وهذا هو القضاء: وهي المرتبة الخامسة، ثم تؤلف تلك الاجزاء، وتضعها في مواضعها. وهذا هو الامضاء: وهو الخلق، وهو الصنع والتصوير. ويدل على ذلك صريحا ما رواه الكلينى (5) قدس سره، قال: سئل العالم عليه السلام: كيف علم الله؟ قال: " علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشيئة وبمشيئتة كانت الارادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كانت المشيئة وبمشيئته كانت الارادة، وبأرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الامضاء. والعلم متقدم على المشيئة، والمشيئة ثانية، والارادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء، وفيما أراد من تقدير الاشياء، فإذا وقع القضاء بالامضاء، فلا بداء. فالعلم بالمعلوم قبل كونه، والمشيئة في المشاء (1) قبل عينه، والارادة في المراد قبل قيامه. والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا، والقضاء بالامضاء من المبرم من المفعولات، الحديث. وبه ينحل قول مولانا أمير المؤمنين لمافر من حائط أشرف على الانهدام: " أفر من قضاء الله إلى قدره ". إلا أن نسبة هذه المعاني إليه سبحانه على وجه المجاز لا الحقيقة، إذ المقصود من هذا الكلام: التقريب إلى الافهام. إذا عرفت هذا فاعلم أن إرادته سبحانه على ضربين كمشيئته: أحدهما: حتم: وهي الارادة المتعلقة بالتكوين كالخلق، والرزق والاحياء، والاماتة، وتسخير الافلاك، وبالجملة فكل ما هو ليس من أفعال العباد الاختيارية فهذه لا تختلف عن إرادته، وإليه أشار سبحانه بقوله: " ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا " (2) الثاني (3): إرادة عزم: وهي (4) المتعلقة بأفعال العباد وأعمالهم الاختيارية من الامور التكليفية، وهذه قد تختلف إذ ليس معنى إرادته فيها إلا أمره بها، ومحبته لها، وهذا لا يلزم منه الوقوع، وإلا لزم الجبر والالجاء، وبطل الثوب والعقاب. وفي القول به خروج عن جادة الصواب. انتهى كلامه، زيد إكرامه (1). هذا، وقد استدل بعض الافاضل على أن المشيئة من الله تقتضي وجود الشئ، بما ورد من قوله صلى الله عليه وآله: " ما شاء الله كان " (2) وعلى أن الارادة منه سبحانه لا تقتضي وجود المراد لا محالة بقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (3) وبقوله سبحانه: " وما الله يريد ظلما للعباد " (4). معلوم أنه قد يحصل العسر والظلم فيما بين الناس (5). أقول: ويمكن المناقشة في الاستدلال بالآيتين بأن المراد بإرادة اليسر وعدم إرادة العسر في الآية الاولى: الرخصة للمريض، والمسافر في الافطار في شهر رمضان، والآية مسوقة لذلك، لقوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (6) والمراد: " يريد الله بكم اليسر " في جميع الامور، " ولا يريد بكم العسر " أي التضيق عليكم وتكليفكم ما لا تطيقونه، وعلى التقديرين فإرادته سبحانه لم تتخلف (1) عن وجود المراد لا محالة في هذا الباب. وأما الآية الثانية فالمعنى أنه سبحانه: لا يريد ظلم عباده بأن يحملهم من العقاب مالا يستحقونه (2) أو ينقصهم من الثواب عما استحقوه. وهذا المراد أيضا لا يتخلف عن إرادته سبحانه

الفروق اللغوية لابي هلال العسكري

وفقك الله

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير