ـ[قطرالندى]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 11:40 م]ـ
أنا سعيدة جدا لهذا التفاعل جزاكم الله خيرا ..
ومن لديه أي إضافات أو تعقيب آخر فاليتفضل مشكورا لا مأمورا ..
وشكرا للجميع ..
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[07 - 10 - 2006, 11:49 م]ـ
بارك الله في الجميع ..
وأحيّي هذا النفس الطويل عند الإخوة والأخوات في بحثهم الشيّق ..
كما وأغتنم الفرصة لأرحّب بالأستاذ موسى الزغاري - حفظه الله ..
فقد كان له في الفصيح مقالات ونظرات مثرية ..
نسأل الله له وللجميع الإفادة والفائدة ..
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[08 - 10 - 2006, 01:53 ص]ـ
السلام عليكم
الأخ الفاضل والأستاذ الموقّر موسى - حفظه الله ..
أمعنتُ النّظر في تلك المعاني التي استدللتَ بها على الجمع والإفراد بين (خالداً) و (خالدين)، فوجدتُ أنّها جاءت مناسبة لإفراد (النار) وجمع (الجنان) في القرآن. فهي من معاني رحمة الله الواسعة وعدله الشامل سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، ولكنّها لا تتّسق مع دِلالات الآيتين من سورة النساء.
فمن المعلوم أنّ (الجنّة) ترد في الاستعمال القرآني مفردة وجمعاً، بخلاف (النار)، التي لم تَرِدْ في القرآن إلا مُفردة. وهنا يمكن القول إنّ في جمع (الجنّة) إيحاءً بالتنوّع والتعدّد والاختلاف، أو كما أشرتَ بقولك إنّه يأخذ "العقول حيرة وشغف، وهي أنّهم يعلمون أنّ هناك جنّة، فلمّا اكثرها أخذتهم الحيرة بكنهها، وحالها، وهل كلّ الجنّات كبعض أم أنّ هناك ثمّة اختلاف بينها؟ وهذا بدوره يولّد الشغف لها ولدخولها". ولا ريب في أنّ تلك الصفات تستدعي الإيمان بنعم الله ورضاه ورحمته، التي ينشرها على أصحاب الجنّة ممّا يناسب جوّ رحمة الله الواسعة ..
أمّا (النار) - نسأل الله أن يعتق رقابنا ورقاب عامّة المسلمين منها في هذا الشهر الفضيل - فإنّها جاءت دائماً مُفردة في القرآن، وذلك - على ضوء ما ذكرتم بارك الله فيكم: "تنفيراً منها، وتقليلاً لشأنها في أنّها واحدة والجنّات عديدة". وهذا يعني أنْ ليس الفضل في تعذيب أهل النار، وإنّما هو العدل الإلهي الذي قامت عليه السماوات والأرض ..
وهذه المعاني كلّها لا غبار عليها ..
ولكن ثمّة إشكالاً في قبول التعليل الذي توّجتَ به ردّك بارك الله فيك! ذلك أنّ القرآن الكريم قد جمع اسم الفاعل (خالد) في آية أخرى، اقتضى الخطاب فيها اطراد الإفراد، وهي قوله تعالى: (إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [الجن: 23].
ففي هذه الآية قال تعالى: (خالدين) بالجمع، مع أنّ (من) تحيل في سياق الآية على المفرد، والدليل على ذلك أنّ ضمير (الهاء) المتّصل بجواب الشرط يحيل على المفرد في (له).
ثمّ إنّ القرآن العظيم قد قرن بين أصحاب النار وحالهم بصيغة الجمع (خالدين) في مواطن كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) [التوبة: 68]، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) [النساء: 168 - 169] إلخ ..
وهذا يؤدّي بنا إلى القول بأنّ الاختلاف بين الجمع والإفراد في الآيتين من سورة النساء له دِلالات أخرى، هي أخصّ من ذلكم التعميم ..
وأذكر أنّني قرأتُ يوماً مقالةً في مجلة الوعي الإسلامي (رقم 484) للدكتور محمد إقبال عروي، والتي استنبط فيها جزءاً من المعاني الواردة في آيتي النساء .. ولجمال ما جاء في تلك المقالة من معانٍ قد تكون فاصلة، فإنّي أورد هاهنا الجزء الذي يهمّنا منها لعموم الفائدة:
نقل الدكتور محمد إقبال في مقالته قولاً للإمام المفسّر أبي سعيد الغرناطي (ت 782هـ)، جاء فيه: "سُئِلْتُ عن قوله تعالى في سورة النساء: (ومن يطع الله)، إلى قوله (خالدين)، و (من يعص الله)، إلى قوله: (خالداً)، فجمع أولاً وأفرد ثانياً، وأجبت بأنّ الجنّة لمّا كان لأهلها فيها اجتماعات وليست فيها فرقة، جاء قوله (خالدين) اعتباراً بالمعنى الحاصل في الجنّة من الاجتماع، ولمّا كان أهل النار على الضدّ من هذا، فكلّ واحد منهم في تابوت من نار حتى يقول أحدهم ليس في النار إلا هو، جاء قوله: (خالداً فيها) باعتبار هذا المعنى ..
فمن المعاني المصاحبة لجمع (خالدين) شعور المؤمن بأنّ مِن نِعَمِ الله عليه، فوق نعمة إدخاله الجنة وتمتيعه بنعيمها الدائم والمتنوّع، أنْ جمعه بصفوة المؤمنين، يأنس بهم، ويتمتّع بمجالستهم ومنادمتهم، فلا يشعر المرء فيها بشعور الوحدة والقنوط، بخلاف الكافر، فينضاف إلى العذاب الماديّ البدنيّ عذاب نفسي يتمثّل في شعوره بقسوة الوحدة، وكأنّ النار فارغة إلا منه، وكأنّ لا أحد يلج جهنّم إلى جواره ·.
وهناك معنى نفسي آخر يصاحب تدبّر جمع (خالدين) في سياق امتثال المؤمن لطاعة الله ورسوله، وهو أنّ ذلك الجمع يُشعر بكثرة المطيعين والملتزمين بحدود الشرع، فكثيراً ما يشعر المؤمن أنّه وحيد في ساحة الالتزام والابتلاء، ولكن لفظ (خالدين) يبعث في نفسه الطمأنينة بأنّ هناك من هو، مثله، قابض على دينه، مستحضر لرقابة ربّه، وقد ألمح الإمام البقاعي إلى هذا المعنى بقوله: "وجمع الفائزين بدخول الجنّة في قوله (خالدين فيها)، يشير إلى كثرة الواقفين على الحدود، ولأنّ منادمة الإخوان من أعلى نعيم الجنان" ..
ولا شكّ أنّ هذين المعنيين كفيلان بأنْ يمنحا روح المؤمن قوّة وثقة تجعلانه يسلك طريق الابتلاء في الحياة الدنيا بقلب مطمئن ويقين ثابت" · أ. هـ.
هذا والله تعالى أعلم ..
¥