تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تتوكّأ هذه الشّبهة على أساس أنّ الصّحابة كلّهم عُدول، فالتّعريض بهم بعد ثبوت عدالتهم عمل غير مستساغ. علماً أنّ نظرية عدالة الصحابة جميعهم من مبتدعات السّياسة الأمويّة، وهذه حقيقة أقرّ بها الباحثون من مختلف المذاهب، خاصّة أنّ أنصار هذه النّظرية يذهبون إلى أنّ كلّ من رأى النّبيّ صلّى الله عليه وآله ولو لحظة، أو عاش في زمانه ولم يَرَه، يُعدّ صحابيّاً. لكن: هل يمكن أن يكون الصّحابي بهذه المواصفات عادلاً بالضّرورة؟

ألا تتضارب هذه النّظريّة مع بعض الآيات القرآنية الصّريحة الّتي تتحدّث عن وجود المنافقين، أو «الّذين يؤذون رسول الله» بين الصّحابة؟

ألم تتعارض مع حقائق التّاريخ وتصطدم بها؟! (8)

يضاف إلى هذا، ألم يستحقّ الذمّ والتقريع من كان صحابيّاً ثمّ خرج على الخليفة الشّرعيّ للمسلمين وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ورفع لواء الحرب ضدّه، وشهر سيفه لقتال المسلمين؟!

ألا يمكننا أن ننتقد عمل من اتّخذ طابع الصّحابي، ثمّ ملك بساتين البصرة والمدينة وخرجت ثروته عن حدّ الإحصاء إبّان الترف النسبيّ للمسلمين بعد الفتوحات؟! ناهيك عن أنّ ما جاء في نهج البلاغة وتُشمّ منه رائحة التّعريض بمثل هؤلاء هو تبيان لحقائق زخر بها التّاريخ الإسلاميّ، مع تعفّف وترفّع عن أسلوب السّبّ والفحش والمساءة. حتّى عندما سمع عليه السّلام قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشّام في صفّين قال: «إنّي أكرهُ لكم أن تكونوا سَبّابين، ولكنّكم لو وَصَفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوَب في القول، وأبلغ في العذر» (9).

الشّبهة الثانية: وجود كلمة «الوصيّ» و «الوصاية» في نهج البلاغة

حسبنا في جواب هذه الشّبهة أن نقول: إنّ هاتين الكلمتين لم تظهرا أو تتبلورا في عصر الشّريف الرّضي، بل كان لهما وجودهما ومدلوهما في عصر الوحي. فمراجعة يسيرة للآيات القرآنيّة (10)، والأحاديث النّبويّة المشتملة عليهما (11)، والشّعر الشّيعيّ وغير الشّيعيّ (12) .. تُغني القارئ عن كلّ تعريف وتعليق بهذا الشّأن.

الشّبهة الثّالثة: طول الخطب

كم حاولوا أن يعدّوا طول الخطب دليلاً على ضعف انتسابها إلى مولى المتّقين! بَيْد أنّ الحقيقة هي أنّ قصر الكلام أو طوله لا يمثّل دليلاً على صحّة انتسابه إلى قائله، ولا دليلاً على سقم انتسابه إليه، لا سيّما أنّ النّاطق به هو أمير الخطباء وفارس ميدان الفصاحة والبلاغة، الّذي يعلم موضع الإيجاز من موضع التّطويل في الكلام.

وليس هذا في خطبه فحسب، بل كان ملحوظاً في خطب غيره من الخطباء المشهورين يومذاك أيضاً. فقد قيل إنّ سُحْبان بن وائل المشهور عند العرب بالفصاحة، حين اقتضى منه المقام قام خطيباً بعد صلاة الظّهر، ولم ينقطع حتّى صلاة العصر، دون أن يَعيبه أحد أو يرى كلامه مخالفاً لقواعد البلاغة وأصول الكلام (13).

يقول الدكتور زكي مبارك في كتاب «النّثر الفنيّ في القرن الرابع عشر» بهذا الشّأن: (ورسائل عليّ بن أبي طالب وخطبه ووصاياه وعهوده إلى ولاته تجري على هذا النّمط، فهو يُطيل حين يكتب عهداً يبيّن فيه ما يجب على الحاكم في سياسة القطر الّذي يرعاه، ويوجز حين يكتب إلى بعض خواصّه في شأن معيّن لا يقتضي التطّويل) (14).

الشّبهة الرّابعة: وجود السَّجْع والمحسّنات اللفظيّة

أمّا الحقيقة، فهي أنّ وجود السّجع أو غيره من المحسّنات اللفظيّة في الكلام لا يعود إلى عصر الشّريف الرّضيّ وليس من بنات ذلك الزّمان! فالمحسّنات اللفظيّة موجودة في القرآن الكريم والحديث النّبويّ، وكلام الخطباء المشهورين في عصر صدر الإسلام. من هنا فهي ليست بِدعاً من الأثر، كما لا تمثّل دليلاً على ضعف السّند في نهج البلاغة.

الشّبهة الخامسة: الأوصاف الدّقيقة

الأوصاف الدّقيقة في نهج البلاغة، على ما قيل في غرابتها وتميّز نصوصها عن نصوص ذلك العصر، لا تمثّل نقطة ضعف، بل إنّها في الواقع تمثّل نقطة قوّةٍ وفضيلة.

يضاف إلى هذا أنّها كانت ملحوظة في النّصوص الأدبيّة لعصر صدر الإسلام. كما زخر الشعر الجاهليّ بالأوصاف الدّقيقة: للفَرَس، والظَّبي، والناقة، والأطلال، ونظائرها. وبلغت من الدّقّة والتّركيز مبلغاً أنّ عدداً من أبيات القصيدة يتناول وصفه عيون الظبي أو الفَرَس فحسب.

الشّبهة السّادسة: وجود ضروب التّقسيم والتقطيع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير