تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووردت كلمة (مرجع) ست عشرة مرة منها قوله تعالى: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران: 55].

أما صيغة (الرجعى) فلم ترد إلا مرة واحدة في قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) [العلق: 6 - 8].

وعند إمعان النظر في الآيات نجد مثلاً أنّ قول الكافرين في آية سورة ق: (وذلك رجع بعيد) يعني أنّ رجع الله لهم بالبعث بعد الموت أمر بعيد .. فهم يزعمون زوراً أنّ أي قوة لا تستطيع أن ترجعهم إلى حياة أخرى بعد الموت وبعد أن يمسوا عظاماً، إذ هم لا يتصوّرون رجوعاً بغير فاعل خارجي يقوم بذلك .. وتبعاً لمعنى اللزوم والتعدّي فإنّ (الرجعى) لا تسدّ مسدّ (الرجع) في مكانها، إذ لا يقوم لازم مقام متعد ..

ثمّ إنّ صيغة (مرجع) تختلف من حيث السياق عن (رجع)، فقد سبقها في خمس عشرة مرة من ست عشرة كلمة الله أو الرب أو الضمير وقبلها حرف الجر إلى .. أي: إلى الله .. ولم ترد كلمة (رجع) في سياق كهذا السياق ولا مرة واحدة .. كما أنها تختلف عنها من حيث التعريف، فقد وردت صيغة (مرجع) معرفة عن طريق الإضافة .. أما (رجع) فجاءت مختلفة: فمرة نكرة، ومرة معرفة بـ (أل)، ومرة معرفة بالإضافة ..

ثالثاً: جاءت (الرُّجعى) على وزن (فُعلى) وهذا الوزن أصله لصيغة التفضيل، فإذا اتصلت به (أل) كان لأعلى صيغ التفضيل .. ومع أنّ أصل الصيغة أنها للتفضيل، غير أنها إذا صيغ عليها الاسم كـ (الرجعى) فإنّ هذا يدلّ على الأهمية أو التوكيد، فصيغة (الرجعى) فيها من التوكيد على الرجوع أكثر مما في صيغة (مرجعهم) .. ولذلك جاءت (الرجعى) في سياق معنوي يستدعي التوكيد أكثر من ألوان السياق التي ورد فيها (مرجعهم أو مرجعكم) .. فقد جاءت بعد قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) .. وهذا الذي أطغاه الغنى والمال وظنّ أنه مخلّد به لن يرجع إلى ربه .. فكان لا بدّ من أن يؤكّد له أنّ رجوعه إلى ما أترف فيه إنما هو رجوع مؤقت زائل .. أما الرجوع الدائم الخالد الذي لا زوال له فهو الرجوع إلى الله، فإن عمل خيراً تاب الله عليه ورجع إلى الجنة، وإن ظلّ سادراً في غيّه رجع إلى نار جهنم لا يريم منها .. ولهذا جاءت بصيغة التوكيد (الرجعى) لا بصيغة (مرجع) التي لا توكيد فيها ..

رابعاً: ثمّ إن في الصيغتين ملحظاً آخر .. فعبارة (إن إلى ربك الرجعى) وعبارة (إلى الله مرجعهم) وما شابهها .. هما إخبار من الله تعالى .. ولذلك جاءت الصيغة (الرجعى ومرجع) للزوم .. لكي يشير إلى أنّ الرجوع إلى الله تعالى قانون ثابت يتحرّك الإنسان به من غير أن يحرّكه محرك .. لكأنّ المؤمن يرجع إلى جنة ربه في حركة ذاتية، ولكأنّ الكافر يرجع إلى النار في حركة ذاتية .. وذلك من غير أن يحتاج الأمر إلى مفعولية، أي: إلى فعل متعدّ للرجوع .. وهذا أكرم للمؤمن، فكأنّ الرجوع إلى الجنة جزء من قانون حركته الذاتية .. وأذلّ لنفس الكافر، فهو ينقاد إلى النار ذليلاً دون أن يقوده أحد .. ولا يتحرّك لنفسه إلى النار من غير محرّك إلا أحمق مائق ..

أما عبارة (ذلك رجع بعيد) فهي إخبار من الكفار، ولذلك جاء الفعل متعدياً لأنهم لا يدركون ذلك القانون الطبيعي الذي جعله الله تعالى من كينونة الإنسان، وهو رجوعه إلى ربه من غير ما حاجة إلى فاعل خارج عن ذاته .. فهم قد نفوا أن تقدر جهة على إعادتهم بعد أن يصبحوا تراباً وعظاما، ولم يتصوروا لضلالهم ولبعدهم عن الحق أن تتمكن جهة من إعادتهم إلى الحياة .. ولذلك كانوا أبعد عن أن يتصوروا أن ذلك الرجوع يتم بحركة ذاتية ..

والله أعلم ..

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[07 - 12 - 2006, 01:20 م]ـ

جزاكم الله خيرا على اجتهادكم في بيان معاني ألفاظ القرآن الكريم

أخي الكريم الأستاذ لؤي

بناء على تحليلك لمعنى صيغة فُعلى إذا جاءت مصدرا ألا يمكن أن نطبق هذا المنهج على صيغة (مفعل) للمصدر الميمي فهي مشتركة بين المصدر الميمي واسم الزمان والمكان، أفلا يمكن أن يقال إن المرجع وإن كان مصدرا دالا على الحدث غير أنه أشرب شيئا من معنى اسم الزمان أي: إلى الله رجوعكم في يوم معلوم ومكان محدود؟

مع التحية الطيبة؟

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - 12 - 2006, 01:09 ص]ـ

أهلاً ومرحباً بالأستاذ الكريم الأغر ..

بداية أحمد الله على سلامتك أخي الحبيب، وأسأله تبارك وتعالى أن تكون بأحسن صحة وأفضل حال ..

أما فيما يخصّ ملاحظتك بارك الله فيك فهي في محلها .. ولكن الأمر الذي أحببتُ أن أنوه به في التفرقة بين المصدرين (فعلى) و (مفعل) هو أنّ الأخير يحمل معه عنصر الذات بخلاف الأول .. وأن صيغة الأخير فيها من التوكيد أكثر مما في صيغة الأول .. ولذلك يبدو لي والله أعلم أن الأول لا يطابق الآخر في المعنى تماماً وإلا فما اختلفت صيغته ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير