عُرِفَ الإحتباك عند العلماء بأكثر من اسم , وعرفوه بأكثر من تعريف, فقد عُرِفَ عند الزركشي (ت 794هـ) بالحذف المقابلي وعرفه بقوله: ((هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كلِّ واحدٍ منهما مقابله لدلالة الآخر عليه)) (10) , وذكره علي الجرجاني (ت 816هـ) باسم (الإحتباك) وورد عنده بكلام الزركشي نفسه (11) , وكل من جاء بعد الجرجاني سماه (الإحتباك) ,وقال عنه البقاعي–رحمه الله– (ت 855 هـ) في أحد المواضع: ((أن يؤتى بكلامين يحذف منهما شيءٌ إيجازاًَ, يدل ما ذكر على ما حذف من الآخر)) (12) ,وذكره السيوطي (ت 911 هـ) في تعريفه بأنه: ((أن يحذف من الأول ما اثبت نظيره في الثاني , ومن الثاني ما اثبت نظيره في الأول)) (13) , أما من المعاصرين فقد ذكره عبد الفتاح الحموز وقال عنه: ((أن
يحذف من الأول ما اثبت في الثاني, ومن الثاني ما اثبت في الأول)) (14) , وذكر الشيخ الشعراوي -رحمه الله- للإحتباك اسماً أخر وهو (تربيب الفائدة) وقال عنه: ((وهذا ما يسميه العلماء احتباكاً , وهو أن يأتي المتكلم بأمرين كلُّ أمر فيه عنصران المتكلم يريد أن يربي الفائدة بإيجازٍ دقيق فيجيء من العنصر الأول عنصر ويحذف مقابله من العنصر الثاني , ويجيء من العنصر الثاني عنصرٌ ويحذف مقابله في الأول)) (15).
وهذه التعاريف لا نراها شاملة , لأنَّ بعضها قيد الإحتباك بين الجمل المتقابلة , وبعضها قيدها بالتناظر , والآخر بالمثل أو المتشابه, والإحتباك أصلاً يشمل هذه الأنواع كلها , فيقع بين الألفاظ الضدية , وكما يقع بين الألفاظ المتشابهة , أو المتناظرة , أو بين المنفية والمثبتة , وقد يشترك نوعان منها في نصٍ واحد فيكون احتباكاً مشتركاً , وربما عنى العلماء بالتقابل والتناظر والتشابه , التناظر الوزني بين الجملتين لا العلاقات الضدية والمتناظرة ... الخ , أي إذا حذف من الجملة الأولى شيءٌ عوض عنه في الجملة الثانية , وإذا حذف ن الجملة الثانية شيءٌ عوض عنه في الجملة الأولى ما يدل عليه , ولذلك يحصل نوع من التوازن كما هو الحال في كفتي الميزان , ومنه تستنبط دلالة التقابل , أما كلام البقاعي فنراه الاقرب وذلك لأنَّه لم يحده بنوع معين من العلاقة بين الجمل المذكورة والمحذوفة , ولكن مع هذا يحتاج تعريفه إلى التوضيح والتبيين , ولهذا قمنا بوضع تعريف نراه شاملاً وموضحاً للاحتباك إلى حَدٍّ كبير , ونحن عند وضع هذا التعريف لا يعني أننا نأتي بشيءٍ جديد , ولكن هذا التعريف مستسقى من كلام معظم العلماء الذين ذكروا الإحتباك , مع التأليف بين النصوص لوضع صورة كاملة للاحتباك فنقول هو ((أن يؤتى بكلامين في النص في كلٍ منهما متضادان , أو متشابهان , أو متناظران , أو منفيان , أو يشترك نوعان منهما في نصٍ واحد , فيحذف من احد الكلامين كلمة , أو جملة إيجازاً يأتي ما يدل على المحذوف في الثاني , ويحذف من الثاني كلمة أو جملة أيضاً قد أتى ما يدل عليها في الأول , فيكون باقي كلٍّ منهما دليلاً على ما حذف من الأخر , ويكمل كل جزءٍ الجزء الأخر ويتممه ويفيده من غير إخلال في النظم ولا تكلف)).
وانتظرو المزيد عن هذا الفن البلاغي الذي قل من تنبه له او نبه عليه من اهل العلم كما يقول السيوطي.
د. عدنان الاسعد العراقي
جامعة الموصل
ـ[محمد ماهر]ــــــــ[11 - 01 - 2007, 06:11 م]ـ
جزاكم الله خيراً دكتور عدنان وبارك الله في جهدك ... أفدنا بارك الله فيك وجعله الله في ميزان حسناتك ...
ـ[ضاد]ــــــــ[11 - 01 - 2007, 06:14 م]ـ
موضوع سأكون أول القارئين له والمنتظرين لحلقاته.
ولعلي في السياق أذكر كتاب المرحوم سيد قطب: التصوير الفني في القرأن الكريم, وقد ذكر فيه شيئا من أساليب الجمال والقصة في القرآن.
بوركت أستاذي د. عدنان.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[12 - 01 - 2007, 01:07 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
بارك الله فيكم أستاذنا الفاضل الدكتور عدنان الأسعد، ونفع بكم وبعلمكم ..
ونحن بانتظار ما يجود به قلمكم، وسنحاول جاهدين أنْ نغوص في بحر علمكم، سائلين المولى أنْ يوفّقكم في طرحكم، وأنْ يفتح أقفال قلوبنا عسى أنْ يعود كلّ واحد منّا بلؤلؤة كريمة أو عقد نظيم من درر هذا الفنّ البديع ..
ـ[أبوالروس]ــــــــ[19 - 01 - 2007, 07:01 م]ـ
الدكتور: عدنان الأسعد
بارك الله فيك وفى تأصيلك لفن الاحتباك
وكنا نرجو منك دراسة أسلوبية فى بعض أمثلة القرآن والشعر قديمه وحديثه
لفن الاحتباك 0
وأنا أعلم بمدى العناء الذى ستتكلفه فى سبيل إبراز القليل من أساليب الاحتباك فى ظل عدم إجماع البلاغيين القدماء على تحديد مفهومه0
ولكـ خالص الشكر والتقدير
ـ[سديم2001]ــــــــ[20 - 01 - 2007, 08:40 ص]ـ
لعلي لا أستبق الأحداث إذا قلت لك: (بالمثال يتضح البيان).
ـ[منى ضو الحويج]ــــــــ[31 - 01 - 2007, 02:08 م]ـ
اخي الدكتور عدنان الاسعد لقد افدتنا في توضيحك لفن الاحتباك ونرجو منك ان توضح لنا فن العدول في سورة البقرة
ولك مني خالص الشكر والتقدير ............