(عليك بحسن الخلق، هو يشتمل على أمور كثيرة منها: معاملات الخلق بالإنصاف والعدل، وبذل النفس والمال والنصح في محاله ومواجبه، وأن تكون لك حامية موجودة في كل محل ممن يوثق به وثبتت بالتجربة أفعاله، وأن يعامل الناس بالعدل، ولا شيء أعدل من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، أما في الأمور التي تحيلها الشريعة إلى الولاية فهذا ينظر فيها حسب المصلحة والأشخاص والأوقات بدون تشنيع أو تنفير، وعدم مداهنة أو إرخاء العنان، واستخر وشاور أهل الخبرة الناصحين وكل فن عرفته من المختصين به).
خامساً:
تعديات الحكم على الحياة الاقتصادية.
من يتأمل مقدمة "
ابن خلدون " يجد الربط المتين بين السياسة والاقتصاد واضح جداً، حيث يجعل " ابن خلدون " العلاقة طردية بين تدهور الحياة الاقتصادية وانحطاط الدولة.
يقول "
ابن خلدون ":
(إن الجباية في أول الدولة تتوزع على أهل القبيل والعصبية بمقدار غنائهم وعصبيتهم، ولأن الحاجة إليهم في تمهيد الدولة كما قلناه من قبل.
فرئيسهم في ذلك متجاف لهم عما يسمون إليه من الجباية معتاض عن ذلك بما هو يروم من الاستبداد عليهم فله عليهم عزة وله إليهم حاجة، فإذا استفحلت طبيعة الملك وحصل لصاحب الدولة الاستبداد على قومه قبض أيديهم عن الجبايات إلا ما يطير لهم بين الناس في سهمانهم، وتقل حظوظهم إذ ذاك لقلة غنائهم في الدولة بما انكبح من أعنتهم وصار الموالي والصنائع مساهمين لهم في القيام بالدولة وتمهيد الأمر، فينفرد صاحب الدولة حينئذ بالجباية أو معظمها ويحتوي على الأموال ويحتجبها للنفقات في مهمات الأحوال فتكثر ثروته وتمتلىء خزائنه ويتسع نطاق جاهه ويعتز على سائر قومه فيعظم حال حاشيته وذويه من وزير، وكاتب وحاجب ومولى وشرطي ويتسع جاههم ويقتنون الأموال ويتأثلونها.
ثم إذا أخذت الدولة في الهرم بتلاشي العصبية وفناء القبيل الماهدين للدولة احتاج صاحب الأمر حينئذ إلى الأعوان والأنصار ولكثرة الخوارج والمنازعين والثوار، وتوهم الانتقاض فصار خراجه لظهرائه وأعوانه وهم أرباب السيوف وأهل العصبيات وأنفق خزائنه وحاصله في مهمات الدولة وقلت مع ذلك الجباية لما قدمناه من كثرة العطاء والإنفاق فيقل الخراج وتشتد حاجة الدولة إلى المال فيتقلص ظل النعمة والترف عن الخواص والحجاب والكتاب بتقلص الجاه عنهم وضيق نطاقه على صاحب الدولة. ثم تشتد حاجة صاحب الدولة إلى المال وتنفق أبناء البطانة والحاشية ما تأثله آباؤهم من الأموال في غير سبيلها من إعانة صاحب الدولة ويقبلون على غير ما كان عليه آباؤهم وسلفهم من المناصحة.
ويرى صاحب الدولة أنه أحق بتلك الأموال التي اكتسبت في دولة سلفه وبجاههم فيصطلمها وينتزعها منهم لنفسه شيئاً فشيئاً وواحداً بعد واحد على نسبة رتبهم وتنكر الدولة لهم ويعود وبال ذلك على الدولة بفناء حاشيتها ورجالاتها.
وأهل الثروة والنعمة من بطانتها ويتقوض بذلك كثير من مباني المجد بعد أن يدعمه أهله ويرفعوه، وانظر ما وقع من ذلك لوزراء الدولة العباسية في بني قحطبة وبني برمك وبني سهل وبني طاهر وأمثالهم في الدولة الأموية بالأندلس عند انحلالها أيام الطوائف في بني شهيد وبني أبي عبدة وبني حديرة وبني برد وأمثالهم وكذا في الدولة التي أدركناها لعهدنا. سنة الله التي قد خلت في عباده)
.
ويشاطره الرأي "
الملك عبد العزيز "
حيث حذر في وصيته من خزن المال، وإهمال الجند، وترك حقوق الناس، لأن ذلك كله تضييع للدولة.
وأخيراً ..
قال تعالى
{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}
وقال تعالى {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ}.
وقال تعالى {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}.
وقال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
1_ أوسكار وايلد (1854 - 1900) مؤلف مسرحي و روائي و شاعر أنجلو-إيرلندي
ـ[أبو طارق]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 08:36 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
رحم الله التقاة الأفذاذ
طرح يستحق الشكر
نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد, يُعز فيه أهل الطاعة, ويُذل فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, ويُنهى فيه عن المنكر
ـ[سما الإسلام]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 09:07 م]ـ
و عليكَ سلام الله و رحمته و بركاته
أخي الكريم
بورك فيكَ على هذا الطرح المثمر
كل ما ذُكِرَ حق كلنا لا يجهله
و لكن هل من مستمع يطبق القول
نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
فكلنا عليه جزء من الوزر في ضياع هيبة المسلمين
كلنا مسؤول
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 09:14 م]ـ
بارك الله فيك أخي العزيز
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 11:03 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
رحم الله التقاة الأفذاذ
طرح يستحق الشكر
نسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد, يُعز فيه أهل الطاعة, ويُذل فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف, ويُنهى فيه عن المنكر
آمين يارب العالمين
بورك فيك أخي الكريم
شاكرٌ مرورك الطيب
يا أيها الطيب.
¥