تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منظومها ومنثورها، وهو إلى ذلك كاتب قدير، تلمح فيما تُدَبجه يَرَاعَتُه أصالة الرأي، وصدق الحس، ووضوح الفكرة، ونصاعة الحجة، وقوة التصوير، وفحولة التعبير، وشعره كذلك شعر رائع، تلمس فيه فورة الشعور، وثورة العاطفة، وذكاء القلب، واشتغال الفكر، والتمرُّس البصير بأشعار الفصحاء من القدماء، وإن شرحه هذا لشرح دقيق جليل، لا تكاد تمضي فيه حتى تحس أنك أمام رائد أدبي ممتاز، يرتاد بك منازل الكتاب، مفسرًا لما غمض من ألفاظه، موضحًا لما انبهم من معانيه، في غير إسراف ولا إسفاف - كما يصنع بعض الناشرين - لأنه يُقَدر وقتك ولحظك حق قدرهما، فلا يعوج بك إلا ريثما يطرفك بفائدة لغوية، أو نكتة أدبية، تُجَلي لك أسرار نص، أو تقفك على مفاتن شعر، أو تبصرك بمداحض زلل زلق فيها بعض الأولين، فإذا ما استغلق عليه أمر آذنك به في بسالة متواضعة، ثم مضى بك كاشفًا موضحًا، وهاديًا ممهدًا، ومضيت معه مبتهجَ النفس، وادِعَ الفكر، منشرح الصدر، حتى تفرغ من الكتاب مبهورًا محبورًا ... " [21].

طلبه للعلم وشَغفه بالمَعْرفة:

أخذ السيد صقر نفسه بالجد في طلب العِلم، يبتغي إليه الوسيلة بالقوة في العلم والأدب، فأفرغ له باله، وأخلص له فكره، وكان له من توقد ذكائه، والتهاب خاطره، وسرعة حفظه، وشغفه بالمعرفة ما مَكَّن له من ناصية التَّفَوُّق، وذلَّل له من شماس النبوغ، فتوجه في أول أمره إلى تحصيل عُلُوم الأدب واللغة، فانقطع لطلبها، وقصر عليها نفسه، ووقف عليها جهده، وأنفق أوقاته في طلبها، واستنزف أيامه في معاناتها، حتى مهر فيها وأتقنها وأحكمها، وبلغ منها موضعًا جليلاً، يرمى بالأبصار، ويشار إليه بالبنان، وعُدَّ أديبًا منَ الطراز الأول، ثم اتَّجه بعد ذلك إلى عُلُوم الشريعة - خاصَّة بعد أن خلتِ الساحة بوفاة الشيخ المحدِّث أحمد شاكر - فتضلع منها، وتبَحَّرَ فيها وتعمَّق، واستقصى أطرافها وأحاط بأصولها وفروعها، واقتنى نوادر مخطوطاتها، حتى نفذ إلى أسرارها، وأحاط بقضاياها.

وظائفه وأعماله:

عمل بعد تخرجه مدرسًا للأدب العربي بمدارس التربية والتعليم التابعة للأزهر، وانتدب في وقت من الأوقات لإحدى المدارس الأجنبية بالقاهرة؛ كمدرسة اللِّيسِيه الفرنسية، وبعد أن ذاعت شهرته في تحقيق التراث، عيِّن مدرسًا بكلية أصول الدين بالأزهر، وأشرف على بعض الرسائل في الدراسات العليا هناك، وقد عُيِّن خبيرًا بوزارة الثقافة والإعلام، واختير أيضًا عضوًا في بعض اللجان العلمية؛ كلجنة إحياء التراث بوزارة الثقافة، ولجنة إحياء التراث بمؤسسة الأهرام، ولجنة إحياء أمهات كتب السنة، بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، برئاسة فضيلة العلامة محمد محيي الدين عبدالحميد.

وفي حدود عام 1957م، وجِّهت له دعوة من وزير المعارف بالكويت، الأستاذ عبدالعزيز حسين، وقد كان هذا الوزير متخرجًا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ولما عرف وسمع عن علم السيد أحمد صقر، قام بترشيحه للتدريس هناك، ولم يستمرَّ هناك سوى ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى مصر، ولما عاد إلى مصر، جعلوه مدرسًا للمرحلة الابتدائية، وهي مرحلة لا تليق برجل في مثل حجم وجلالة السيد أحمد صقر، لكنه ابتلي بكثير من الناس الذين يترصدونه، ويأخذون بمَخْنِقِه؛ حسدًا وبغيًا وعدوانًا، وما نقموا منه إلا أنه حصَّل ما لم يحصل غيره، وفقِه ما لم يفقهه سواه، وحين كلَّت خطاهم عن اللحاق به ضيَّقوا عليه، حتى تولى الشيخ عبدالرحمن بيصار مشيخة الأزهر، فساهم مساهمة متأخرة في ترقية السيد أحمد صقر، فجعله أمينًا عامًّا مساعدًا لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1967م تقريبًا.

ثم اختير بعد ذلك - مع كوكبة من العلماء المصريين - للتدريس في السعودية بكلية الشريعة بمكة المكرمة (جامعة أم القرى لاحقًا)، واستمر بها لمدة عشر سنوات تقريبًا، وقد عومل هناك وظيفيًّا تحت بند (كفاءات نادرة)، وهو بند يَعتمد في التقويم على الشهرة والمكانة في العلم، وليس على الشهادة، وقد كان للسيد أحمد صقر - رحمه الله تعالى - جهودٌ كبيرةٌ في الدراسات العليا هناك، وأشرف على طائفة من رسائل الماجستير والدكتوراه.

السيد أحمد صقر مدرسًا:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير