تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اشتغل السيد أحمد صقر بالتدريس شطرًا كبيرًا من حياته؛ بل وفي جميع المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية، وقد كان من المدرسين الذين: "لا يكتفون بنشر علومهم بين طلابهم، وإنما يعنون بتخريجهم، وتقويم أوَدِهمْ، وتعهد مواهبهم بالرعاية والعناية، حتى تستحصد وتستغلظ وتستوي قائمة على أصولها في غدها المرتقب المأمول، حتى تتابع أجيال العلماء قوية مقتدرة على حمل أمانة التبليغ، الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويظل العلم قويًّا فتيًّا، متصل الحلقات، متدارك الموجات، فتحيا به الأمة، وتكون بحق كما أرادها الله: خير أمة أخرجت للناس، بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وجمعها بين الإيمان الصريح، والعلم الصحيح".

وقد كان أسلوبه في التدريس قائمًا على الجد والصرامة والإتقان، يقول الدكتور حامد طاهر في مقدمة ديوانه: "وفي سنة 1961م، دخل فصلَنا أستاذٌ جديد؛ لتدريس مادة الأدب العربي، وهو السيد أحمد صقر، المحقق الكبير، وفوجئت بأنه لا يرتدي الزي الأزهري المعهود، وقد كان مغضوبًا عليه من الأزهريين، فعاقبوه بالتدريس في المرحلة الابتدائية، ثم شمله العفو قليلاً، فانتقل إلى المرحلة الثانوية، أحدث هذا الرجل انقلابًا هامًّا في حياتي، فقد طرح على الطلاب سؤالاً مثيرًا: ماذا قرأ كل منكم في الإجازة الصيفية؟ وتعددت الإجابات المضحكة: كنت ألعب الطاولة مع زملائي بالقرية، كنت أساعد أبي في الحقل، فثار ثورة عارمة على كل مَن أجابوا، واصفًا إياهم بأنهم {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4]، ثم راح يشرح لهم أن الثقافة العامة شيء، والمقررات الدراسية شيء آخر تمامًا ... وباختصار كان هذا الرجل هو الثورةَ التي حدثت أمامي داخل الأزهر، وهو الذي شجعني على كتابة الشعر" [22].

ويقول الدكتور محمد حسن بخاري: "وقد أكرمني الله بأستاذٍ، صبرت على قسوته الشديدة، فأضحت مرحمة لي من حيث أدري ولا أدري، فلازمته ملازمة طويلة، وقد تدرج بي لاقتحام أمهات الكتب والمراجع، ودربني وأرشدني، وأحيانًا كان يجبرني على بعض الاقتناصات من طريقته ومنهجه، بتركيز فكري على عمل من أعماله، فعلمني وتعلمت منه" [23].

ولم يكن السيد أحمد صقر من المدرسين الذين يكثرون الثرثرة العلمية، والعموميات التي لا يعود منها الطالب بشيء؛ بل كان يأخذ طلابه إلى المكتبات العامة، وربما استضافهم في بيته؛ ليريهم نفائس الكتب والمخطوطات التي اقتناها؛ بل وصل به الحال إلى أخذ طلابه في زيارات ميدانية إلى منازل الأدباء والعلماء الكبار في ندواتهم المعروفة، يقول الدكتور أحمد معبد في حوار أجري معه: "بداية الاهتمام بالمخطوطات ترجع إلى المرحلة الثانوية، وأستاذنا الشيخ سيد صقر - عليه رحمة الله - مدرس المطالعة والبلاغة في المرحلة الثانوية، كان لديه اهتمام بالمخطوطات، وكان يصطحب معه في الدرس بعض هذه المخطوطات، التي أذكر منها الآن "شرح الخطابي لصحيح البخاري"، فحببني فيها، ونبهني إلى أماكنها في مصر" [24].

ويقول الدكتور حامد طاهر: "وقد دعاني الأستاذ السيد صقر إلى منزله بشارع محمد علي، حيث أطلعني على حجرة مكتبه التي تمتلئ بأندر المخطوطات، والمطبوعات النفيسة، وهناك حدثني عن أنه يمتلك طبعة دار الكتب أو طبعة بولاق من كتاب كذا وكذا، فعلمت أن الكتب مستويات، كما كلفني بنسخ عدد غير قليل من المخطوطات القديمة، حتى تمرست بحل مشكلات خطوطها الصعبة، ومازلت أذكر أنني نسخت له كتاب "الإلماع" للقاضي عياض، وهو مكتوب بخط مغربي خالٍ من النقط، وفى وضع مهترئ للغاية، ومن مكتبته استعرت بعض أمهات التراث العربي: "البيان والتبيين" للجاحظ، و"زهر الآداب" للحصري، و"العقد الفريد" لابن عبدربه، وغيرها، وعلى يديه تعلمت فن التحقيق، ومقابلة النسخ، وتمييز الخطوط، وتخريج الأحاديث، والأبيات الشعرية النادرة" [25].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير