ـ[الباحثة عن الحقيقة]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 03:33 ص]ـ
.
السلام غير العادل
بقلم أبو السوس (صلاح منصور)
منذ بداية الحركة الصهيونية، أعلن مؤسسيها وداعميها في العالم الغربي أنه إذا وافق العرب على المُخطط الصهيوني --الذي يطمح لتحويل فلسطين لدولة أغلبيتها من اليهود-- فإنهم سينعمون بالسلام والرخاء الاقتصادي والديموقراطية. بالفعل قامت عدة دول عربية بالاعتراف "بالدولة اليهودية" ومُخططها الصهيوني في فلسطين ولكن النتيجة كانت معاكسة تماماً للتعهدات الغربية، فهذه الدول أصبحت:
تنعم بالمزيد من القمع وتراجع الحريات،
تنعم بدوائر مخابرات ومراكز تعذيب تعد من أحدث ما يُصدره العالم الغربي،
تنعم بديموقراطية شبه معدومة،
تنعم بفساد يشمل كافة طبقات المجتمع،
وتنعم باقتصاد شبه مُنهار يمعتمد على المِنح الخارجية.
تحظى نظرة الدول الغربية "للسلام" في الشرق الأوسط بشعبية عربية شبه معدومة وذلك لأنها ترتكز على ظلم الشعب الفلسطيني ولأنها تنتقص من الحق العربي والإسلامي في فلسطين. ولذلك لجأت الدول الغربية وإسرائيل بإستخدام كافة أنواع الضغوطات لإلزام بعض الأنظمة العربية بالقبول بهذا "السلام" غير العادل. فبسبب انعدام شعبية هذا "السلام" --المبني على اُسس ظالمة-- ازداد القمع والفساد في الأنظمة العربية التي اعترفت بالدولة اليهودية، وهذا يقلص من شعبية تلك الأنظمة مما يُجبرها على استخدام المزيد من القمع والفساد للمحافظة على سدة الحكم، فالفجوة ما بين الأنظمة وشعوبها تزداد ولا تقل.
فباختصار، تمرير المفهوم الغربي والصهيوني "للسلام العادل" يتطلب إفساد الأنظمة العربية وهذا يستوجب قمع وإفساد شعوبها، وبدون ذلك فإن معاهدات السلام المُوقعة مع "الدولة اليهودية" لن تصمد ليوم واحد؛ فالأمثلة على ذلك كثيرة ( ......................... ) التي تعتمد على دوامة الفساد والإفساد للمحافظة على مراكزها. فللأسف الشديد استمرارية هذه المُعاهدات يتتطلب المزيد من القمع والفساد، واُشبهها بأنظمة الاستثمار الهرمية التي ستنهار في يومٍ ليس بعيداً تحت وطأة وزنها. فالوعودات الغربية والصهيونية بالرخاء والسلام والديموقراطية تتحول أمام أعيننا للعنة على الأمة العربية، عسى أن يعتبر منها البعض الذين يتهافتون لتوقيع مُعاهدات "سلام" جديدة على حساب الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين. وهنا تجدر الإشارة بأن ديفيد بن غوريون--أول رئيس وزراء إسرائيلي-- إعترف بأن سلاماً عادلاً مع العرب غير ممكن مهما تم التلاعب بالكلمات، فقال في عام 1923:
"الكل يرى بأنه يوجد حل للمشكلة ما بين اليهود والعرب، ولكن لا يرى الجميع بأنه لا يوجد حلّ لهذه المشكلة. ليس هنالك حلّ! ... فتضارب المصالح العربية واليهودية في فلسطين لا يمكن حله بالتلاعب بالكالمات ... أنا لا أجد عربياً يوافق بأن تتحول فلسطين لنا حتى وإن تكلمنا العربية ..... وعلى الجانب الآخر لماذا ينبغي على ((مصطفى)) تعلم العبرية ... يوجد هنا تضارب بالأهداف الوطنية، فهم يريدون فلسطين لهم ونحن نريدها لنا." ( One Palestine Complete, p. 116)
وبالمثل اعترف زئيف جابوتنسكي --أحد أهم مؤسسي الفكر الصهيوني-- بأن العرب لن يتقبلوا المُخطط الصهيوني إلا إذا فرض عليهم بقوة السلاح، ففي عام 1923 كتب في مقالته المشهورة ((الجدار الحديدي)):
"الاستيطان ممكن فقط من خلال الاعتماد على قوة السلاح وأن لا يعتمد على موافقة السكان الأصليين ... فهذا الاستيطان ممكن فقط من وراء جدار حديدي يصعب اختراقه .... فالتوصل لاتفاق بملء إرادة السكان الأصليين ببساطة غير ممكن. فكلما بقي عند العرب البصيص من الأمل باقتلاعنا، فإنهم لن يتخلون عن هذا الأمل مهما كان الثمن وذلك لأنهم ليسوا بأنقاض بل شعب حي. والشعب الحي لا يتخلى عن أمور مصيرية إلا إذا فقد الأمل بالتخلص من المستوطنين الأجانب، وعندها سينتقل نفوذ المجموعات المُتطرفة التي ترفض التسوية معنا وينتقل نفودها الى مجموعات أكثر اعتدالاً وعندئذٍ المعتدلين سيقدمون اقتراحات للتسوية معنا وبعد ذلك يبدؤون بالتفاوض عن الأمور المصيرية، مثل ضمانات بعدم طردهم والمساومة على حقوقهم المدنية والوطنية."
وهنا أطرح الأسئلة التالية:
ألم يتنبأ جابوتينسكي بما يحدث لنا الآن منذ أكثر من ثماني عقود؟
هل بإمكاننا الاعتبار مما قاله جابوتينسكي؟
"السلام" في المفهوم الغربي والصهيوني هو مفهوم مُضلل لأنه يعتمد على نكران الحق العربي والإسلامي في فلسطين، وما هو إلا نوع من أنواع الصفقات التجارية التي لا تمت للسلام بأي صلة. فالشعب الفلسطيني شعب صبور يطمح إلى سلام عادل وشامل الذي سيضمن له كافة حقوقه الوطنية والمدنية خاصة حقوقه في العودة والتعويض. فالشعب الجزائري قدم تضحيات أكثر من الشعب الفلسطيني وتم استعمار واحتلال وطنه لأكثر من 130 سنة، ومع ذلك لم يتخل الجزائريون عن أنملة من حقوقهم الوطنية. عسى أن تعتبر الشعوب الأنظمة العربية بالتجربة الجزائرية وأن تناصر الشعب الفلسطيني كما ناصرت الشعب الجزائري لضمان كافة الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين، فصبرنا هو مفتاح الفرج والله الموفق.
¥