تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هكذا وقع في هذه الرواية، والأولى أولى، والكلام لابن كثير رحمه الله، والأخذ بها أحرى. وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه، إنما المراد بهم آله الذين حُرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله، وهذا الاحتمال أرجح، جمعا بينها وبين الرواية التي قبلها، وجمعا أيضا بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظرًا، والله أعلم.

ثم الذي لا يشك فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أي: اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة. اهـ

والحديث لا نص فيه على الوصية المزعومة، لأن فيه حثا على حفظ حقوق آل البيت، رضوان الله عليهم، وحفظ حقوقهم لا يستلزم القول بإمامتهم، بل وعصمتهم وعلمهم الغيب و .......... الخ من العقائد الغالية التي تقترب كثيرا من غلو النصارى في المسيح صلى الله عليه وسلم، ولو كان الأمر وصية من الرسول صلى الله عليه وسلم لأعلنها صراحة، ليفصل في هذه المسألة الجليلة التي يعتبرها القوم من أصول الدين، فكيف يلقى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، دون الفصل في هذه المسألة الجليلة التي قد يؤدي عدم الفصل فيها إلى إحداث الشقاق بين المسلمين، أما كان يستطيع إعلان هذه الوصية المزعومة ليحسم المسألة؟!، أم أنه كتمها ولم يبلغها لأحد إلا لعلي، رضي الله عنه، فاختصه بالبلاغ دون من سواه؟!!، ولا أفسد من هذا القول ولوازمه، إذ أن فيه اتهاما للنبي صلى الله عليه وسلم بكتم رسالة ربه، أو اختصاص بعض أصحابه، رضوان الله عليهم، بجزء منها دون بقيتهم، مع أنهم سواسية في البلاغ في أدق مسائل الفروع، كمسائل الطهارة، فكيف بهذه المسألة الجليلة، أليس من الأولى أن يعلمها الكل كما علموا بقية مسائل الدين، أم أن هذا الدين كسروي، لا يختص بأسراره إلا الملك وآل بيته؟!!

وبطبيعة الحال سوف ينتقل المخالف من هذا المحور إلى محور آخر، يطعن فيه في عدالة الصحابة، رضوان الله عليهم، جميعا، ليقول لك في افتراء وتحكم بالغين: لقد أبلغها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولكنهم جميعا!!!!، كتموها، حقدا على آل بيته، وهذا يعني باختصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فشل في المهمة التي أعده الله، عز وجل، لها، بل وابتلاه بأصحاب خونة كانوا عبئا على دعوته، وكأن الله، عز وجل، أرسل رسوله برسالة الحق الخاتمة ثم عارضها بأولئك الخونة الذين حاربوا دعوته وظلموا آل بيته، والتاريخ حكم بيننا وبينهم، إذ كيف يعلى الله، عز وجل، دينه، بمثل هؤلاء، وكيف تفتح الأمصار ويدخل الناس في دين الله أفواجا ويدفع من أبى الدخول فيه الجزية عن يد وهو صاغر، كيف يحدث كل هذا على أيدي أناس ارتد معظمهم عن دين الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تقل اليهود والنصارى هذا القول في حق أتباع موسى وعيسى، عليهما الصلاة والسلام، كما أشار إلى ذلك الطحاوي، رحمه الله، في عقيدته الشهيرة.

وعدد الصحابة، رضوان الله عليهم، عند وفاته صلى الله عليه وسلم، يفوق عدد التواتر بكثير، وهو عدد لا يجوز على أهله الكتمان، كما تقرر في علم الأصول، ولكن للقوم أصولا أخرى ما أنزل الله بها من سلطان إذ أجازوا كتمان أهل التواتر لما يحتاج إلى نقله، وهذا أمر لا يتصور في حق الكفار فضلا عن المسلمين، بل أعلى طبقات المسلمين بإجماع من يعتد بإجماعه، فإن سألتهم: ما الدليل على صحة هذه القاعدة الباطلة، أجابوك: الدليل أنه حصل!!!، وهو ما يسمى بـ "الاستدلال بصورة الخلاف"، فكأن مدع يدعي على شخص ما أنه كاذب، فإن قلت له ما الدليل؟، قال: الدليل أنه قد كذب، فاستدل على الشيء بنفسه، فوقع فيما يسمى "الدور"، إذ بنى الشيء على نفسه، فالدليل على أن الماء ماء أنه ماء!!!!، وليست هذه أول عجائب القوم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير