وأما قوله (نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة)، قال: وفي الرواية الأخرى (فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟، قال: لا) فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم، أنه قال: (نساؤه لسن من أهل بيته)، فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنونه ويعولهم، وأمر باحترامهم، وإكرامهم، وسماهم: ثقلا، ووعظ في حقوقهم، وذكر. فنساؤه داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: (نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) فاتفقت الروايتان. اهـ، صحيح مسلم بشرح النووي (15/ 258).
فهن أهل بيته من جهة السكنى والإنفاق، وهو المعنى المراد في الآية، كما تقدم، لا من جهة تحريم الصدقة، والله أعلم.
وعن هذا الحديث يقول الدكتور الحسين شواط:
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على الكتاب ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي"، فقد ذكر شيخ الإسلام، رحمه الله، أن الزيادة الأخيرة تكلم فيها الإمام أحمد وغير واحد من أهل العلم، وأن اللفظ الصحيح بدون هذه الزيادة رواه مسلم عن جابر، وإنما ذكر مسلم الحديث الأول بهذه الزيادة لأن من منهجه أن يذكر الألفاظ المتفاوتة للأحاديث.
ويواصل شيخ الإسلام، رحمه الله، في منهاج السنة، فيقول: "وعلى فرض ثبوت هذه الزيادة فإن المقصود التذكير بإعطائهم حقوقهم، والامتناع عن ظلمهم وعدم المغالاة فيهم، إذ ليس في لفظ الحديث ما يدل على وجوب اتباعهم أو التمسك بهم إنما هو من باب الوصية بهم خيرا". اهـ، بتصرف يسير من "حجية السنة وتاريخها"، ص309.
ولكنه التحكم في النصوص، وتوسيع دائرة الاستدلال أو تضييقها تبعا لهوى المستدل، فالوصية بآل البيت رضوان الله عليهم خيرا تعني إمامتهم وعصمتهم، ولا يدري القارئ، لم يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بهم خيرا مع أنهم هم الأئمة من بعده؟، إن مفهوم هذه الوصية أن غيرهم سيولى عليهم فليتق الله فيهم وليحفظ رحمهم الشريف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فالخلاصة أن أمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن، لا يخرجن عن هذا الخطاب بأي حال من الأحوال، بل هن الداخلات فيه ابتداء، بقرينة السياق، فالآيات التي تسبق هذه الآية، والآيات التي تليها، كلها تشير إليهن، وليس فيها تعرض لآل البيت، رضوان الله عليهم، ابتداء، كما زعم المخالف، ولفظ "الأهل" في القرآن الكريم، تدخل فيه أول ما تدخل "الزوجة"، كما في قوله تعالى:
(قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)
يقول أبو حيان رحمه الله:
وخطاب الملائكة إياها بقولهم: أهل البيت، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت، وقد دل على ذلك أيضاً في سورة الأحزاب خلافاً للشيعة إذ لا يعدون الزوجة من أهل بيت زوجها، والبيت يراد به بيت السكنى.
ويقول الزمخشري غفر الله له:
وأهل البيت: نصب على النداء أو على الاختصاص لأن {أَهْلَ البيت} مدح لهم، إذ المراد: أهل بيت خليل الرحمن.
وهي إن دلت على المقصود، إلا أن فيها مدخلا للمخالف، إذ له أن يقول: كلام الزمخشري يدل على آل بيت الخليل صلى الله عليه وسلم، فلم يتعرض لذكر الزوجة مباشرة، كما تعرض له أبو حيان، رحمه الله، وهو اعتراض واه، لأن الكلام كان موجها في تلك اللحظة لساكني بيت الخليل صلى الله عليه وسلم، وهم الزوج والزوجة، فهي داخلة في الخطاب، والله أعلم.
وقوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}
يقول الطبري، رحمه الله، حول هذه الآية:
وقوله (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ)، يقول: عدل إلى أهله ورجع. اهـ
وعدول الرجل إلى زوجته إن جاءه ضيوف هو الأصل في مثل هذه الأحوال إذ هي التي تتولى إعداد طعام الضيوف في العادة، ولم يكن في البيت سواهما، كما تقدم، والله أعلم.
ومن السنة المطهرة:
¥