تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل إن فئة أخرى من المستشرقين، بالغت وقالت بأن هذا الجمع قد تأخر إلى القرن الثالث الهجري، أي إلى بداية ظهور المصنفات المتخصصة في السنة، كالجوامع والمسانيد، وبالتالي يصفو لهم أكثر من قرن ونصف بين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبداية تدوين السنة، وهي فترة زمنية طويلة، تجعل تدوين السنة، أشبه ما يكون بتدوين الأناجيل المنقطعة الإسناد، التي كتبت بعد وفاة عيسى صلى الله عليه وسلم، بمدة زمنية طويلة، بواسطة مؤلفين مجهولين، لم يتفق النصارى عليها، حتى أن الأناجيل المتداولة الآن عددها 4، اختيرت من 70 إنجيلا!!!!!!، فإذا ما تقرر ذلك في نفوس أبناء المسلمين، دب الشك في نفوسهم في هذه الكتب المصنفة في السنة كالصحيحين والسنن، وهذا ما حدث بالفعل لطوائف من المسلمين، منهم من سموا أنفسهم بـ "القرآنيين"، ومنهم أبناء المدرسة العقلية الاعتزالية الحديثة، التي أثارت الشبهات حول شخصيات مصنفي كتب السنة كالبخاري ومسلم، وكيف كان الخلفاء والأمراء يجبرون أئمة الحديث على وضع الأحاديث التي توافق أهوائهم وتؤيد مذاهبهم!!!!!!، كما فعل "جولدسيهر"، اليهودي المجري الخبيث، مع الإمام الزهري، رحمه الله، وقد تصدى علماء المسلمين لافتراءاته على هذا الإمام الجليل، فقد ظن هؤلاء الحيارى، أن علماء تلك الأزمان الفاضلة كعلماء زماننا، ممن ركنوا إلى الحياة الدنيا، وباعوا دينهم بعرض زائل منها، وبات خوفهم من السلاطين والجماهير التي تثور على من يصدع بالحق، إن خالف أهوائها، أشد من خوفهم من الله عز وجل، فكتموا العلم، إلا من رحم ربك، وما كتابات الدكتور مصطفى محمود، الكاتب المصري الشهير، في التشكيك في صحيح البخاري، عنا ببعيد، وخاصة في مصر، وإن كان له جهود مشكورة في تنظير قضايا المسلمين السياسية في العصر الحديث، ولكنه لقصور يده في علوم الشريعة ذهب هذا المذهب الباطل.

ومع هذه الرحلة الطويلة لتدوين علوم السنة نبدأ من مرحلة العهد النبوي:

فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، لا تعرف القراءة والكتابة، كما وصفها الله عز وجل بقوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ولذا كانت تشريعات هذه الأمة مرتبطة بالظواهر الكونية التي يستوي في معرفتها العالم والجاهل، كظهور الهلال لمعرفة زمن الصوم والفطر والحج، ولا شك أن هذا من منن الله عز وجل على هذه الأمة لأن هذه الظواهر الكونية، سنن كونية ثابتة، أجراها الله عز وجل، فلا احتمال للخطأ فيها، خلاف الحسابات الفلكية البشرية التي تعتمد على الأجهزة الحديثة، التي مهما بلغت دقتها، فإن احتمال الخطأ فيها وارد.

وقد شاع لدى الكثير من المصنفين، أن أعداد من يجيدون القراءة والكتابة، في البيئة العربية، كان ضئيلا جدا في تلك الفترة الزمنية، 17 رجلا في مكة، و 9 في المدينة، ولا شك أن هذه أرقام مبالغ في ضآلتها، وإن كنا نقر بأن الكتابة لم تكن شائعة بينهم.

"حجية السنة"، للشيخ الدكتور الحسين شواط، ص136.

وأهم ما يبحث في المرحلة، هو الجمع بين أحاديث النهي عن كتابة السنة، والإذن بها بعد ذلك:

فأحاديث النهي عن كتابة السنة، لم يثبت منها إلا حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، مرفوعا: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه)، وهو حديث صحيح رواه مسلم، في صحيحه.

وأما الأحاديث الأخرى في النهي عن الكتابة، فقد رويت عن جمع من الصحابة، كأبي هريرة وأبي سعيد وزيد بن ثابت بأسانيد ضعيفة لا تثبت.

وقد رويت كراهة الكتابة عن عدد من الصحابة منهم: ابن عباس وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وابن عمر وأبو هريرة.

وأما أحاديث الإذن بالكتابة، فقد رويت عن جمع كبير من الصحابة، حتى ادعى بعض العلماء تواترها وإفادتها للعلم القطعي ومنها:

· قوله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع: (اكتبوا لأبي شاه)، وهو حديث متأخر، وهذا ما يقوي القول بنسخ أحاديث الكتابة لأحاديث النهي عنها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير