· أن النهي متعلق بكتابة القرآن مع الحديث في صحيفة واحدة، والإذن متعلق بالفصل بينهما، ولعل هذا من الأسباب التي من أجلها ورد النهي أولا، مخافة أن يختلط القرآن بغيره، حتى إذا ما أتقن الناس القرآن وميزوه عن غيره، زال سبب النهي فزال حكمه، وعلى هذا يمكن تخريج قول عمر رضي الله عنه لقرضة بن كعب، رضي الله عنه، وأصحابه لما خرج يشيعهم إلى العراق: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعمر، لم ينههم عن التحديث مطلقا، كما حاول بعض المغرضين أن يروج لهذه الشبهة ليصد الناس عن تعلم السنة، وإنما أراد الإقلال من الرواية، لأن أهل العراق، ما زالوا حديثي عهد بإسلام، فلا ينبغي أن يشغلهم شاغل عن القرآن حتى يتقنوه، ولا مانع أن يتلقوا علوم السنة، مع القرآن، ولكن بجرعات قليلة، حتى لا يحدث الخلط بينها وبين القرآن، ومعلوم أن الجرعات العلمية القليلة، أنفع للمبتدئ في أي علم، ولذا نرى المبتدئين في أي علم يعمدون إلى مختصراته المبسطة، ثم يزيدون عليها شيئا فشيئا حتى يصلوا للمطولات، كما قرر ذلك ابن خلدون، رحمه الله، فقليل متصل، مع التركيز في فهمه وتدبره وحفظه خير من كثير منقطع بلا فهم أو تدبر، وما جاء جملة واحدة فإنه يذهب جملة واحدة.
· أن النهي متعلق بوقت نزول القرآن خشية اختلاطه بالحديث، والإذن فيما عدا ذلك.
· أن النهي متعلق بمن لا يحسن الكتابة خشية أن يخطأ ويقع في التصحيف.
· أن النهي خاص بأشخاص بعينهم، وهم كتبة الوحي، والإذن متعلق بمن سواهم.
· ومال آخرون، للقول بنسخ أحاديث الإذن لأحاديث النهي، ومنهم ابن قتيبة، رحمه الله، الذي قال بأن هذا من منسوخ السنة بالسنة، وتابعه من المعاصرين، الشيخ العلامة السيد أحمد شاكر، رحمه الله، فقال: ...... ، حديث أبي شاه في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إخبار أبي هريرة، وهو متأخر الإسلام، أن عبد الله بن عمرو كان يكتب، وأنه هو لم يكن يكتب: يدل على أن عبد الله بن عمرو كان يكتب بعد إسلام أبي هريرة، ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرا عن هذه الأحاديث في الإذن والجواز، لعرف ذلك عند الصحابة يقينا صريحا، (وفي هذا رد على الشيخ محمد رشيد رضا، رحمه الله، الذي قال بعكس هذا القول، حيث قال بنسخ حديث أبي سعيد، لأحاديث الإباحة). ثم جاء إجماع الأمة القطعي بعد قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير، وهو إجماع ثابت بالتواتر العملي، عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول، رضي الله عنهم أجمعين. اهـ.
ثم نقل رحمه الله، قول ابن الصلاح رحمه الله: ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة. ولقد صدق رحمه الله.
الباعث الحثيث ص189. اهـ. فهل يعقل أن الأمة بكاملها منذ عصور التدوين الأولى، قد أجمعت على أمر نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؟!!!!!.
وأما ما ورد عن كراهة بعض الصحابة للكتابة، فإنه يمكن الرد عليه بما يأتي:
أولا: أن هذا كان خشية الوقوع في الخطأ لمن لا يحسن الكتابة، أو خشية الاتكال على الكتابة دون الحفظ، وقد ثبت رجوع كثير منهم عن هذا الرأي، كما صح عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن مسعود، رضوان الله عليهم، وهذا يدل على أن النهي منسوخ أو منسوء (بمعنى أنه مرتبط بسبب معين يثبت بثبوته ويزول بزواله، فيثبت على سبيل المثال إذا خشي الراوي أن يختلط ما كتبه من القرآن بما كتبه من السنة، ويزول بزوال هذا السبب).
وبعد أن تقرر، أن إباحة الكتابة، هي آخر الأمرين، يحسن عرض بعض نماذج الكتابة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ملاحظة أن الفترة من عصر النبوة إلى سنة 100 هـ، لم تحظ بالدراسة الكافية، مما أوهم البعض بتأخر الكتابة، ومن أبرز هذه النماذج:
ما كتب بأمره صلى الله عليه وسلم، ويشمل:
· الكتب إلى الحكام والملوك.
· الكتب إلى القبائل، كعقد الحقوق والواجبات لوفد عبد القيس.
¥