تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما ما روي من أن عمر، رضي الله عنه، قد حبس بعض الصحابة لأنهم أكثروا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن سنده ليس بصحيح، كما ذكر ذلك ابن حزم، رحمه الله، وغيره، كما أنه معلول بالاضطراب في تسمية الصحابة المزعوم حبسهم بالإضافة إلى أن عمر رضي الله عنه لم يكن له حبس، ولو سلمنا جدلا بوقوع ذلك فإن المقصود بالحبس المنع من الرواية لحين التثبت في بعض ما بلغه عنهم. يؤيد ذلك:

ما أخرجه الرامهرمزي أن عمر حبس بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو الدرداء، فقال: (قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال أبو عبد الله بن البري شيخ الرامهرمزي: يعني منعهم الحديث ولم يكن لعمر حبس، أي منعهم من الإكثار من الحديث.

وقد يكون المقصود بالحبس في الحديث، حبسهم واستبقاؤهم في المدينة حتى يتثبت فيما بلغه عنهم، كما جاء في رواية الخطيب البغدادي رحمه الله: (بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود الأنصاري، فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسهم بالمدينة حتى استشهد).

ومما يؤكد وهن هذه القصة، أن عمر، نفسه من المكثرين من الرواية، فقد روى 539 حديثا، ناهيك أن أبا هريرة، وهو أكثر من روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، (5374 حديثا)، لم يكن ممن حبس، فكيف يصح هذا، وهو أحق الناس بالحبس، إن صحت هذه الرواية المزعومة. بتصرف يسير من "حجية السنة" ص83 _ 85.

وقد أحال الدكتور الحسين شواط، في هامش ص 85، إلى "تذكرة الحفاظ" و"الإحكام" لابن حزم و"السنة قبل التدوين" و "شرف أصحاب الحديث" لنقد هذه القصة.

ومن الشبه أيضا: عدم قبول أبي بكر لحديث المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، في ميراث الجدة، حتى شهد معه، محمد بن مسلمة، رضي الله عنه، وكذا عدم قبول عمر بن الخطاب لحديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، في الاستئذان حتى شهد معه أبي بن كعب، رضي الله عنه، وعلى هذه الشبهة بنى الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، بدعتهم في رد أخبار الآحاد في العقائد، ليتوصلوا بذلك إلى رد كل النصوص المثبتة لصفات الله عز وجل التي أنكروها كلية (كالجهمية والمعتزلة) أو جزئيا (كالأشاعرة).

والرد على هذه الشبهة، بأن أبا بكر، رضي الله عنه، كما يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: (فعل ذلك للتثبت في الرواية وللاحتياط في الضبط، لا لتهمة أو سوء ظن)، لأن الصحابة كما تقرر كلهم عدول، وأبو بكر، رضي الله عنه، ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشكل عليه عدم سماع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة ملازمته له، فضلا عن أن الحديث متكلم في سنده للانقطاع بين قبيصة بن ذؤيب وأبي بكر، وإذا سلمنا، بصحة هذا الحديث، فإن شهادة محمد بن مسلمة للمغيرة لم تنقل الخبر عن كونه آحادا، فرواية الاثنين، من الناحية الاصطلاحية، آحاد، ومع ذلك احتج بها المخالف، فلزمه أن يقبل أي حديث آحاد آخر، كما قرر ذلك الشيخ محمد الشنقيطي، رحمه الله في "المذكرة" ص129، طبعة مكتبة ابن تيمية.

وما قيل في رد شبهة حديث ميراث الجدة، يقال في حديث الاستئذان، فعمر، رضي الله عنه، أراد، كما سبق بيانه، أن يسن منهج التحرز في الرواية، ناهيك أنه من أشد الناس ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يخفى عليه هذا الحديث مع كونه مما تعم به البلوى، لأن الاستئذان أمر يتكرر كثيرا.

ومن المهم في هذا الموضع التأكيد على أن مناهج الصحابة في التأكد من صحة الرواية لم تكن واحدة، فلم يكونوا جميعا يطلبون شاهدا آخر على الرواية، بل كان بعضهم يستحلف الراوي، كما روي ذلك عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، (وفي سند هذا الخبر مقال)، وكان بعضهم يسأل للتثبت. بل إن هذا المنهج قد انتقل إلى جيل التابعين ومن أبرز الأمثلة على ذلك استحلاف عبيدة السلماني، رحمه الله، لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، للتثبت من سماعه لحديث، فهل يعني هذا أن عبيدة يشك في عدالة وضبط علي رضي الله عنه؟!!!!!!، أم أنه فعل ذلك ليتثبت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير