تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومسألة الحرق هذه مما يدندن عليه المخالفون، فيقولون: هنا حرق، وعثمان، رضي الله عنه، عندهم: محرق المصاحف، بعد تحريف المصحف الإمام بما يوافق هواه!!!، مع أن عثمان، رضي الله عنه، ما فعل ذلك إلا حسما للخلاف الذي وقع في عصره بين قراء الأمصار، فجمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة، التي رخص للناس في القراءة بها في أول الإسلام، لئلا تشق عليهم القراءة بلغة قريش، فلما زال سبب الرخصة وفقه الناس القراءة، بل وأصبحت الرخصة سبيلا إلى الاختلاف في القراءة وإنكار صاحب كل حرف على صاحب الحرف الآخر، حسم عثمان، رضي الله عنه، الخلاف بأن جمع المسلمين على حرف قريش الذي نزل القرآن، فتحقق وعد الله، عز وجل، بحفظ هذا القرآن ونقله متواترا، والواجب هو نقله متواترا ببعض الأحرف السبعة التي نزل التي نزل بها لا بكلها، فاختار عثمان، رضي الله عنه، حرف قريش، لنزول القرآن به، كما تقدم، وإلى ذلك أشار الطبري، رحمه الله، بقوله:

ولكنّ الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخُيِّرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حَنثتْ في يمين وهي مُوسرة، أن تكفر بأيِّ الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة. فلو أجمعَ جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث، دون حَظرها التكفيرَ بأي الثلاث شاءَ المكفِّر، كانت مُصيبةً حكمَ الله، مؤديةً في ذلك الواجبَ عليها من حق الله. فكذلك الأمة، أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخُيِّرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت لعلة من العلل أوجبتْ عليها الثباتَ على حرف واحد، قراءتَهُ بحرف واحدٍ، ورفْضَ القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحْظُرْ قراءته بجميع حروفه على قارئه، بما أذن له في قراءته به.

وقد أثنى علي، رضي الله عنه، نفسه، على صنيع عثمان، رضي الله عنه، بقوله فيما رواه ابن أبي داود، رحمه الله، بسند صحيح من طريق سويد بن غفلة قال: قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون في هذه القراءة؟، فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا، قلنا: فما ترى؟، قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت.

وثمة مسألة أخيرة في هذا العصر، وهي مسألة مشتركة بين هذا العصر والعصور التالية له، حتى عصرنا هذا، وهي مسألة الرواية بالمعنى، فقد تفاوتت أقوال أهل العلم في هذه المسألة جوازا ومنعا، تبعا لضبط وإتقان الراوي، ومعرفته باللغة وأساليبها، وما يحيل المعاني، وملخص أقوالهم ما يلي:

· المنع مطلقا إذا لم يكن الراوي عالما بالألفاظ ومدلولاتها، وقد نقل ابن الصلاح والنووي وغيرهما الاتفاق عليه.

· المنع مطلقا، ولو كان عالما عارفا، وهذا رأي كثير من العلماء بالحديث والفقه والأصول، ولعل هذا الرأي هو الأنسب لعصرنا هذا، بعد أن ضعفت المعرفة باللغة، وانتشرت دواوين السنة المعتمدة، وفي هذا يقول القاضي عياض، رحمه الله، المتوفى سنة 544 هـ: "ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن، ممن يظن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديما وحديثا"، وعياض، رحمه الله، عاش في القرن السادس الهجري، فما ظنك بمن عاش في القرن الخامس عشر؟!!!!. ويستثنى من ذلك، ما إذا لجأ العالم أو الفقيه إلى الاستشهاد بحديث لا يحفظه، ولكنه يعي معناه، في مسألة طارئة، بحيث لا يسعفه الوقت لكي يرجع إلى الكتب المعتمدة، وعليه أن يبين للسامع أو المستفتي، أن روايته هذه بالمعنى.

· المنع مطلقا في الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون غيرها من الموقوفات والمقطوعات، وهو قول مالك، رواه عنه البيهقي في المدخل. وروى عنه أيضا أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء.

· الجواز لجيل الصحابة فقط، وهو ما يعنينا بالدرجة الأولى في هذا البحث، وهو رأي القاضي أبي بكر ابن العربي المالكي الإشبيلي، وعلل ذلك بأن الصحابة قد اجتمع فيهم أمران عظيمان، لم يجتمعا في أي جيل تال لهما، وهما:

o أولا: الفصاحة والبلاغة، إذ جبلتهم عربية، ولغتهم سليقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير