تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

o ثانيا: أنهم شاهدوا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة.

وهذا أصل مهم جدا، ليس فقط في مسألتنا هذه، وإنما في مسائل جليلة أخرى من أصول الدين وفروعه، فعلماء الأصول على سبيل المثال، عندما يعللون عدم ظهور هذا العلم في عصر الصحابة، يقولون بأنهم لم يكونوا بحاجة إليه لأنهم أعلم الناس باللغة ومقاصد الشريعة، وعندما يتكلمون عن الإجماع، يقدمون إجماعهم على أي إجماع، بل إن داود الظاهري رحمه الله لا يعتد إلا بإجماعهم، وهو منتقد في هذا القول، وأحمد، رحمه الله، يومئ إلى ذلك، وللمسألة بسط في كتب الأصول، وعلماء التفسير واللغة يؤكدون على أن تفسير آي القرآن لا بد أن يكون بلغة من نزل عليهم، وهي لغة الصحابة، فلا يصح تفسيره بمصطلحات لغوية حادثة بعد نزوله ...... الخ. فتأمل هذه القاعدة الجليلة ففيها التمسك بما كان عليه خير القرون، الذين قال الله تعالى مخاطبا إياهم: (فإن آمنوا بمثل ما أمنتم به فقد اهتدوا)، فعلق الهداية على الإيمان المماثل لإيمانهم، فماذا يبقى لأمة الإسلام إذا أهدر هذا الجيل بل واتهم بالكفر والردة والمروق؟!!، كيف يأمن المسلم إلى النصوص التي نقلوها وكيف يطمئن إلى تفسيرها بلسانهم العربي القح إذا كان يعتقد كفرهم؟!!!

· وهناك من وسع دائرة الجواز، لتشمل الجيل التالي لهم، وهو جيل التابعين، لأنه، وإن حدث ضعف للسان العربي، إلا أن الفصاحة ما زالت غالبة في هذا العصر، ولذا كان تصرفهم في الألفاظ أوسع من تصرف من تلاهم من جيل تابعي التابعين الذين شددوا في مسألة الرواية بالمعنى، وحرصوا على نقل الأحاديث بألفاظها، كما سمعوها، ناهيك أن الأحاديث قد دونت في هذا العصر فلا مسوغ للرواية بالمعنى.

وقد انبنى على هذا الخلاف خلاف آخر، في جواز الاستشهاد بالحديث في اللغة فمنعه قوم كأبي حيان وابن الضائع، وأجازه آخرون كابن مالك، صاحب الألفية، وابن هشام صاحب قطر الندى وشذور الذهب وأوضح المسالك، وأبو الحسن الحضرمي المعروف بابن خروف الأندلسي، والسهيلي وابن الأنباري والدماميني وابن منظور صاحب اللسان، وتوسط قوم بين الرأيين فقالوا بجواز الاحتجاج بما اهتم الناقل بروايته بلفظه، كجوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وكتبه إلى عماله، وعدم جواز الاحتجاج بما لم يهتم ناقله بضبط ألفاظه، وهذا رأي الشاطبي، وتابعه عليه الحافظ السيوطي، رحم الله الجميع، وللمسألة بسط لا يتسع المجال لذكره.

وخلاصة المسألة أن لجيل الصحابة الرياسة فيما يتعلق بأمور العدالة والضبط، وأنهم حرصوا على حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حفظا في الصدور بالدرجة الأولى، وكتابة لما يخشى تفلته بالدرجة الثانية.

ولا يلتفت إلى الفهم الخاطئ لبعض أقوال أهل العلم، في مسائل تتعلق بنقل الصحابة، رضوان الله عليهم، كقول الذهبي، رحمه الله، في سير النبلاء (2/ 608): [قال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلس. قلت (أي الذهبي): تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه، فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم والصحابة كلهم عدول]

فالقول ليس فيه أي إشكال، لأن التدليس، وهو إسقاط الواسطة بين الراوي وشيخه ورواية الحديث عن الشيخ مباشرة مع أنه لم يسمعه منه وإنما تحمله عن راو عنه، لأنه ليس ضعفا، بإطلاق، وإنما يكون ضعفا إذا دلس عن ضعيف، أي إذا كانت الواسطة بينه وبين شيخه راو ضعيف أو متهم، والصحابة، رضوان الله عليهم، لم يكونوا يسقطون إلا صحابة مثلهم، وكلهم عدول بتعديل النص القرآني المتواتر، أو إن شئت الدقة فقل: النصوص القرآنية المتواترة التي يكفر جاحدها في تعديلهم وتزكيتهم رغم أنف مبغضهم، فهو انتقال من راو ثقة معدل بوحي السماء، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل في هذا حرج؟!!!، وهل عرف عن صحابي أنه يروي على سبيل المثال عن ضعيف أو متهم أو كافر .............. الخ، بل إنهم كانوا حريصين كل الحرص على إبراز من يروون عنه إذا كان تابعيا، لأنه وقعت بعض روايات لصحابة عن تابعين، وهو ما اهتم علماء الحديث بجمعه، وأفرد بعد ذلك بباب خاص في كتب علوم المصطلح يدعى: "باب رواية الأكابر عن الأصاغر"، كما فعل ابن الصلاح، رحمه الله، في النوع الحادي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير