· جزء الطلاق الذي جمعه الشعبي، رحمه الله، وعنه يقول الحافظ ابن حجر: "إن ما ذكر إنما هو بالنسبة للجمع في الأبواب، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد فقد سبق إليه الشعبي".
· كتاب عروة بن الزبير في المغازي.
ولم ينتهي الخلاف في مسألة الكتابة في هذا العصر، وإن كانت حدته قد نقصت عما كان عليه في عصر الصحابة، فما زال الخلاف قائما، ومن أبرز من كره الكتابة أول الأمر ثم كتب آخره، الإمام محمد بن شهاب الزهري، رحمه الله، الذي تولى كما سيأتي التدوين الرسمي للسنة، وكان ذلك لسببين:
· أولا: خشية الاتكال على الكتابة دون الحفظ، وهذا سبب يشترك فيه مع بعض الصحابة رضوان الله عليهم.
· ثانيا: لكي يظل العلم عزيزا لا يتلقى إلا بالجلوس تحت أقدام الشيوخ، والسماع من أفواههم.
ولكنه تراجع، كما سبق، لما أجبره هشام بن عبد الملك، رحمه الله، على الكتابة لأولاده لكي يحفظوا، فلم يرد أن يخصهم بهذه المزية دون باقي الرواة فأذن للجميع بالكتابة.
وفي هذا العصر، زادت الرحلات في طلب الحديث، ولم تكن كسابقتها بهدف الحفظ، وإنما أصبح هدفها جمع السنة، بل وظهرت الرحلات لنشر السنة، كما فعل عكرمة مولى ابن عباس، رضي الله عنهما، الذي دخل بلادا كثيرة لنشر السنة فيها.
وفي هذا العصر، بدأت المصطلحات الحديثية في الظهور، فنجد في كلام علماء هذه الطبقة، مصطلحات "الإسناد"، و"المرسل والأبتر"، وهما لفظان بمعنى واحد، وهو الحديث الذي رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو الحديث الذي سقط من إسناده من بعد التابعي، وجمعهما (مراسيل وبتر"بضم الباء وتسكين التاء")، وقد غلب مصطلح المرسل بمرور الزمن واندثر مصطلح الأبتر. ونلاحظ من إطلاق هذا المصطلح: العلاقة الوثيقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، فالإرسال في اللغة هو "الإطلاق"، فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف، لأنه أسقط من فوقه، والبتر في اللغة هو "القطع"، فكأن الراوي قطع الإسناد برفعه مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإسقاط من فوقه، ورغم ذلك فإن علم المصطلح لم يتبلور بعد ليصبح علما مستقلا من علوم الحديث.
واختلفت نظرة العلماء في هذا العصر للحديث المرسل، فإذا كان المرسل مقبولا مطلقا إذا كان المرسل صحابي، فإن الأمر اختلف في عهد التابعين، فإن التابعي لا يلزم من إرساله أن يكون عن صحابي، وإن كان هذا هو الغالب على مراسيل كبار التابعين كسعيد بن المسيب، رحمه الله، ولكنه أمر غير مطرد حتى يقبل على إطلاقه، فما بالك بمن جاء بعدهم من صغار التابعين كالزهري، رحمه الله، حيث كثرت الإحالات في الأسانيد حتى وصلت إلى ستة أو سبعة في سند واحد، (أي سند يروي فيه ستة أو سبعة من التابعين عن بعضهم البعض)، ولذا كان منهج المحدثين رد الحديث المرسل إذا لم يعلم الساقط، كما قرر ذلك مسلم، رحمه الله، في مقدمة صحيحه، وابن عبد البر، رحمه الله، في مقدمة "التمهيد"، وفي هذا رد على من ادعى بأن الشافعي رحمه الله، المتوفى سنة 204 هـ، هو أول من رد المرسل، ورغم ذلك فقد احتج بالمرسل بعض المحدثين والفقهاء، وعلى رأسهم مالك وأبو حنيفة رحمهما الله، خلافا لجمهور النقاد، وفي هذا يقول العراقي رحمه الله:
واحتج مالك كذا النعمان ******* وتابعوهما به ودانوا
ورده جماهر النقاد ******* للجهل بالساقط في الإسناد.
وكذا ظهرت طرق جديدة للتحمل والأداء، وتبع ذلك ظهور مصطلحات السماع والعرض والإجازة والمناولة .... الخ، وظهر الفرق بين مصطلحات الأداء، كـ (حدثني وحدثنا)، للسماع من لفظ الشيخ، و (أخبرني وأخبرنا)، للعرض على الشيخ، أي القراءة والشيخ صامت يسمع ليصحح للقارئ إن أخطأ، وهذا بلا شك بداية لمسألة حديثية تعرضت لها كل كتب المصطلح التي صنفت بعد ذلك.
وأما الرواية بالمعنى في هذا العصر، فقد سبق الكلام عليها، في مرحلة الصحابة.
¥