وتبقى من هذه المرحلة، إن شاء الله، مداخلة لتفنيد بعض الشبهات حول الإمام الزهري، رحمه الله، بصفته الموكل بهذا المشروع الضخم، فكان من الطبيعي ألا يسلم من سهام المغرضين، لأنهم ليسوا أغبياء لدرجة إثارة الشكوك حول راو نكرة وإنما اختاروا هدفهم بدقة، كعادتهم في تشكيك المسلمين في تراثهم، فوقعوا على هذا الصيد النفيس.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 08 - 2006, 12:03 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
شبهات حول الإمام الزهري رحمه الله
فمن المعلوم لدى علماء الحديث، وطالبيه، والمهتمين به، والباحثين في تاريخه، بل وصغار طلبة العلم، وقطاع كبير من المسلمين، مكانة الإمام محمد بن شهاب الزهري، رحمه الله، المتوفى سنة 124 أو 125 هـ، فقد ضرب بسعة حفظه الأمثال، فكان، رحمه الله، وعاء من الأوعية التي حفظ الله فيها، سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
روى الذهبي، رحمه الله، في "السير" من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري قال: ما استعدت حديثا قط، وما شككت في حديث إلا حديثا واحدا، فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت.
وتبرز مكانة الزهري، رحمه الله، من ثناء كبار أئمة عصره، على سعة إلمامه بالسنة حفظا وكتابة، حيث كان أكثر من كتب السنة في عصره، وكانت له، مع سعة محفوظاته، كتب في الحديث والمغازي والأنساب، وكان يدون كل ما يسمعه من الحديث، كما كان يدون أقوال الصحابة والتابعين، في وقت كان بعض قرنائه يقتصرون على كتابة الحلال والحرام وهو، كما تقدم، يكتب كل شيء مرفوعا وموقوفا، ولذا قال صالح بن كيسان، رحمه الله: "لقد كتب الزهري، ولم أكتب، ولهذا فقد نجح وضيعت"، وقد نقل ذلك ابن حجر، رحمه الله، في "تهذيب التهذيب"، من طريق معمر عن ابن كيسان، في ترجمة الزهري.
ونقل الذهبي، رحمه الله، في السير عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع، فلما احتيج إليه، علمت أنه أعلم الناس. اهـ
فقد سار، رحمه الله، على سنة الأئمة في عصور الجمع، فكتب كل ما سمعه، وهكذا ينبغي أن يكون الطالب في مرحلة الطلب، فلا يكتفي بكتابة ما صح، وإنما يكتب كل شيء يسمعه، فربما أفادته رواية خاطئة فائدة ما، بل إن مجرد معرفة خطئها، فائدة للطالب لئلا تروج عليه، فإذا ما تصدر الطالب للتحديث انتقى الصحيح من سماعاته، والله أعلم.
وقد خلد الله ذكرى هذا العالم الجليل، فكان أول من جمع السنة، ودونها، تدوينا رسميا، تحت إشراف الدولة ورعايتها، بأمر من الخليفة الراشد، أمير المؤمنين، عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، وكان الزهري، رحمه الله يفتخر بذلك فيقول: ما دون هذا العلم أحد قبل تدويني، وهو يقصد التدوين الرسمي، لا المحاولات والجهود الفردية، فقد كانت معروفة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبقت الإشارة إلى ذلك تفصيلا. اهـ
وتبعا لمكانة الزهري، رحمه الله، بصفته جامع السنة الأول، تركزت افتراءات المستشرقين وأذنابهم على شخصه، للتشكيك في جمعه، فاتهموه بالكذب والوضع وممالأة السلطان، ونحن لا ننكر دخول الزهري، رحمه الله، على حكام بني أمية، فهذا أمر ثابت من الناحية التاريخية، ولكنه لم يكن ممن دخل عليهم طامعا أو متزلفا، وإنما دخل واعظا ناصحا، وما موقفه مع الخليفة هشام بن عبد الملك، بالذي يخفي، لما أراد هشام أن ينسب تولي كبر الإفك لأمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، فزجره الزهري، حتى أشفق هشام من غضبته، وطلب منه الصفح.
والقصة مذكورة في "سير أعلام النبلاء"، للذهبي، رحمه الله، في ترجمة الزهري من طريق يعقوب السدوسي عن الحلواني عن الشافعي، عن عمه، وفيها رد الزهري، رحمه الله، الحاسم على هشام إذ خاطبه قائلا: أنا أكذب لا أبا لك، فوالله لو نادى مناد من السماء، إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد وعلقمة بن وقاص، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي.
بل إن ابن معين، رحمه الله، وهو من هو في الكلام على الرواة، لم يتكلم في عدالة الزهري، رحمه الله، وإن قدم عليه الأعمش، رحمه الله، لأنه لم يداخل السلطان.
¥