والروايات واضحة لا تحتاج إلى تعليق، ولكن ذلك المستشرق، كعادة إخوانه في الدس والتدليس، تغافل عنها، واقتطع منها ما يروج به شبهته.
والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 09 - 2006, 03:31 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
رابعا: مرحلة تابعي التابعين:
وهذه المرحلة تتميز إلى مرحلتين، مرحلة مبكرة، ومرحلة متأخرة:
فأما المرحلة المبكرة، فهي مرحلة كبار أتباع التابعين، أمثال ابن جريج ومعمر بن راشد وسفيان الثوري ومالك بن أنس، رحمهم الله، وفيها ظهرت المصنفات دفعة واحدة، كما يقول الدكتور الحسين شواط في حجية السنة ص 165، فلم يعرف على وجه التحديد أول من صنف، لذا لجأ المحققون إلى ربط هذا الظهور بالبلدان، فقالوا: أول من صنف بمكة: ابن جريج، المتوفى سنة 150 هـ، وأول من صنف بالمدينة: مالك بن أنس، المتوفى سنة 179 هـ، وهكذا، ثم ذكر أسماء 18 مصنفا، ظهرت في هذه المرحلة.
ومن أبرز المصنفات في هذه المرحلة: "موطأ مالك"، وهو أشهر موطأ، وإن لم يكن الوحيد، فقد قيل بأن موطأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، رحمه الله، هو أقدم موطأ، كما أن موطأ ابن الماجشون، رحمه الله، المتوفى سنة 168 هـ، ظهر في نفس الفترة تقريبا.
ولموطأ مالك، رحمه الله، مكانة رفيعة بين كتب الحديث، وهو يتميز بالجمع بين الحديث والفقه، فقد دون فيه مالك: الأحاديث المرفوعة، وهي في أعلى درجات الصحة، كما قرر ذلك السيوطي، رحمه الله، والموقوفات على الصحابة والتابعين، وأتباعهم، بل ودون فيه آراءه الفقهية.
وموطأ مالك من أعلى كتب السنة إسنادا، ففيه أسانيد في أعلى درجات الصحة، ولعل أبرزها: مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو أصح الأسانيد، كما رجح ذلك البخاري، رحمه الله، وأشار إليه العراقي في الألفية بقوله:
وقد خاض به قوم فقيل مالك ******* عن نافع بما رواه الناسك
مولاه واختر حيث عنه يسند ******* الشافعي، قلت: وعنه أحمد.
وإن كانت مسألة أصح الأسانيد تحتاج إلى نوع تحرير وتقييد، بـ: روا أو بلد ..... الخ.
ناهيك أن مالك، رحمه الله، كان شديد التحري في الرواية، فهو أعلم الناس برواة المدينة، ولذا قبل تعديله للرواة المدنيين الذين خرج لهم في الموطأ، بل إن كل راو خرج له مالك في الموطأ، فهو ثقة عنده، بغض النظر عن حقيقة الأمر.
ومالك، رحمه الله، كما تقدم، ممن يحتج بالمرسل، ورغم أنه من طبقة تابعي التابعين، إلا أن كثيرا من العلماء، قدم مراسيله على مراسيل بعض التابعين، ممن يعلونه في الطبقة، وذلك، راجع، لشدة تحريه في الرواية، كما تقدم.
وقد كان مالك، دائم النظر والتعديل في كتابه، فكان دائم الحذف من الموطأ، حتى قيل بأنه لو امتد به العمر، لما أبقى منه شيئا، ولكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، لأن رواية أبي مصعب الزهري، وهي من أواخر الروايات للموطأ، إن لم تكن آخرها، كما قرر ذلك أبو يعلى الخليلي، رحمه الله، من أوسع روايات الموطأ، فهي تزيد على رواية يحيى بن يحيى الليثي، رحمه الله، وهي أشهر روايات الموطأ، بأكثر من 80 حديثا، كما قرر ذلك ابن حزم رحمه الله.
ومن حيث شهرة الروايات:
فإن رواية يحيى بن يحيى الليثي، هي أشهر روايات الموطأ، كما تقدم، وعليها جل الشروح، ويدانيها في الشهرة: رواية محمد بن الحسن الشيباني، وفيها زيادات عن مالك، عن بقية أصحابه، ممن رووا عنه الموطأ، وزيادات عن غير مالك، بل ولمحمد، رحمه الله، آراء خاصة به، بثها في الموطأ، فقد كان من المجتهدين، الذين عنوا بالمقارنة بين فقه مدرسة العراقيين التي يمثلها، وفقه مدرسة الحجازيين، ويمثلها الموطأ.
وفي هذه المرحلة، ظهرت أيضا: كتب المغازي، وهي الكتب التي صنفت في أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه زمن الحرب، فهي الكتب التي تحدد، بمفهوم عصرنا، العلاقات الدولية في وقت الحرب، فليس المقصود بالسيرة هنا المعنى المتبادر للذهن، ولعل أبرزها على الإطلاق:
· سيرة ابن إسحاق، رحمه الله، وقد عثر على بعضها، على أن ما فقد منها، أغنانا عنه تهذيب ابن هشام، رحمه الله، لسيرة ابن إسحاق.
· كتاب أبي إسحاق الفزاري، رحمه الله، وقد أثنى عليه الشافعي رحمه الله.
¥