· مغازي موسى بن عقبة، وهو من أصح كتب المغازي، كما أشار إلى ذلك مالك، رحمه الله.
· ومنها كتاب "السير" للأوزاعي، رحمه الله، المتوفى سنة 157 هـ، وتبرز أهمية هذا الكتاب، في أن مصنفه كان من المرابطين على الثغور، فعاش حياة الرباط والجهاد، ولا شك أن من باشر أمرا ما، وصنف فيه، فإن تصنيفه يكون أدق ممن لم يباشره.
· وقد رد عليه، أبو يوسف، رحمه الله، تلميذ أبي حنيفة، في مصنف مستقل هو "الرد على سير الأوزاعي".
· ثم جاء الإمام "محمد بن الحسن الشيباني"، جامع مسائل مذهب أبي حنيفة، فصنف "السير الصغير"، و "السير الكبير"، وهما من أبرز المصنفات التي عنيت بتحديد العلاقات الدولية في السلم والحرب، ويصح اعتبار محمد بن الحسن الشيباني الأب الحقيقي للعلاقات الدولية بما وضعه من قواعد في كتابه: (السير الكبير) الذي من أجله يقام له يوم في جامعة السوربون في فرنسا يسمى يوم الاحتفال بمولد الإمام محمد بن الحسن، ويطلق اسمه على أكبر قاعة في الجامعة، كما ذكر ذلك الشيخ الدكتور أحمد منصور آل سبالك، حفظه الله، في مقدمة تحقيقه لـ "شرح منتهى الإرادات"
ولعل كثرة المصنفات في هذا العصر، كان على حساب قوة الحافظة، فزاد الاعتماد على الكتابة وضعف الحفظ، كما قرر ذلك الذهبي رحمه الله.
وفي هذه المرحلة، ظهرت باكورة مباحث علم المصطلح، على شكل مناظرات مبثوثة في كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي، رحمه الله، فهو وإن كان مصنفا أصوليا، إلا أنه تطرق فيه لمسائل حديثية مهمة، لعل من أبرزها:
مسألة الاحتجاج بأخبار الآحاد، لأنه ظهر في عصر الشافعي، رحمه الله، طائفتان، تقيد الاحتجاج المطلق بخبر الآحاد، وهما: أهل الرأي، فلم يحتجوا به فيما تعم به البلوى، وقدموا عليه القياس، والمعتزلة، وقالوا بأن أحاديث الآحاد لا يحتج بها في العقائد، وإنما يحتج بها في الأحكام فقط، وهي البدعة التي سوغت لهم رد أحاديث الصفات، وتابعهم عليها الأشاعرة حتى عصرنا الحالي، فانبرى الشافعي مدافعا عن الاحتجاج بخبر الآحاد، ولم يقدم عليه عمل بلد معين، كما فعل المالكية رحمهم الله، أو قياسا، كما فعل الأحناف رحمهم الله، ولهذا سماه أهل بغداد: ناصر السنة، وعن هذا يقول الزعفراني رحمه الله: كان أصحاب الحديث رقودا حتى جاء الشافعي فأيقظهم فتيقظوا.
وإذا كنا قد تطرقنا لعلم المصطلح، فمن المناسب ذكر نبذة سريعة عن تاريخ هذا العلم الجليل، وهو من أهم علوم الآلة التي تخدم السنة النبوية الشريفة، وسوف تغطي هذه النبذة، إن شاء الله، مراحل تطور هذا العلم في العصور التالية بما يغني عن ذكرها مرة أخرى:
فقد بدأت المصطلحات الحديثية في الظهور في عصر التابعين، رحمهم الله، فظهرت مصطلحات "المرسل"، و "الأبتر"، وظهرت ألفاظ التحمل والأداء، كما سبق ذكر ذلك، ولكن لم تدون هذه المسائل في مصنفات مستقلة، وإنما كانت تجري على ألسنة العلماء، كما تقدم ذكر ذلك، ثم جاءت مرحلة تابعي التابعين، فدونت بعض هذه المسائل ضمن مصنفات علوم أخرى، كرسالة الشافعي، رحمه الله، فلم تستوعب كل مسائل المصطلح، وإنما تطرقت لمسائل بعينها لوثيق صلتها بعلم الأصول.
ومن ثم، بدأت المصنفات المستقلة في علم المصطلح في الظهور، فكانت باكورتها رسالة "أصول الحديث"، لأبي بكر الحميدي، رحمه الله، المتوفى سنة 219 هـ، شيخ البخاري، وقد ذكر، الخطيب البغدادي، رحمه الله، هذا الكتاب في "الكفاية"، ونقل منه فقرات فيه.
وقد تكلم الحميدي، رحمه الله، في مسائل اصطلاحية دقيقة منها:
· قول التابعي عن رجل من الصحابة، دون تسميته، وفي هذا يقول: (إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل)، وهذا رأي الجمهور، خلاف البيهقي، رحمه الله، على خلاف مبسوط في كتب المصطلح لا يتسع المجال لذكره.
¥