ثم جاء القاضي عياض، رحمه الله، حافظ المغرب، المتوفى سنة 544 هـ، فألف "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع"، وهو كتاب غير شامل لجميع أبحاث المصطلح، بل هو مقصور على ما يتعلق بكيفية التحمل والأداء وما يتفرع عنها، لكنه جيد في بابه، حسن التنسيق والترتيب.
وألف أبو حفص الميانجي، رحمه الله، المتوفى سنة 580 هـ، جزءا صغيرا أسماه "ما لا يسع المحدث جهله".
وجاءت مرحلة جديدة في هذا الفن، يصح أن نطلق عليها "مرحلة ابن الصلاح"، وفيها ظهر مجدد هذا الفن، وجامع أشتات مسائله، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري، المشهور بابن الصلاح، المتوفى سنة 643 هـ، حيث أملى كتابه "علوم الحديث"، وهو ما اشتهر بعد ذلك بين طلبة هذا العلم بـ "مقدمة ابن الصلاح"، وذكر فيه 65 نوعا من أنواع علوم الحديث، لكنه لم يرتبه على الوضع المناسب، لأنه كان يمليه إملاء، فجاءت بعض الأنواع بعيدة عن نظيراتها، وقد عكف عليه من تلاه اختصارا ونظما ومعارضة وانتصارا.
ومن أشهر مختصراته: "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير" لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي، رحمه الله، المتوفى سنة 676 هـ، و"اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير، رحمه الله، المتوفى سنة 774 هـ، واختصره الحافظ الذهبي، رحمه الله، المتوفى سنة 748 هـ، في "الموقظة"، واختصره ابن النفيس الشافعي، رحمه الله، المتوفى سنة 689 هـ، الطبيب الشهير في "أصول علم الحديث"، ولابن التركماني والحافظ العلائي والحافظ ابن دقيق العيد والطيبي وابن الملقن مختصرات عليه.
ثم ظهرت منظومات هذا الفن، وكان عمدتها كتاب ابن الصلاح، وكان من أوائلها ظهورا، منظومة شمس الدين الخُوَيي، المتوفى سنة 693 هـ، المسماة "أقصى الأمل والسول في علوم حديث الرسول"، ولعل أشهرها على الإطلاق:
· منظومة الحافظ العراقي، رحمه الله، المتوفى سنة 806 هـ، والمسماة: التبصرة والتذكرة، وهي المشهورة بين طلبة علم الحديث بـ "ألفية العراقي"، والحافظ العراقي يعد بحق من مجددي هذا الفن، حتى يصح أن نفرده بمرحلة مستقلة من مراحل تطور هذا العلم.
· ومنظومة الحافظ السيوطي، رحمه الله، المتوفى سنة 911 هـ، وهي المعروفة بـ "ألفية السيوطي".
وجاءت بعد ذلك مرحلة الحافظ ابن حجر، رحمه الله، المتوفى سنة 852 هـ، وهي مرحلة مهمة في تاريخ هذا الفن، ويصح أن نصف ابن حجر في زمانه بأنه "الخطيب" في زمانه، فكل منهما خاض في شتى فروع هذا العلم، وترك العديد من المصنفات ما بين مطول ومختصر، ومن أشهر مصنفات ابن حجر: "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر"، وهو من أشهر مختصرات هذا الفن، وشرحه "نزهة النظر"، وهو من أسهل وأنفع شروح هذا العلم، وإن لم يكن مطولا.
وبعد الحافظ، جاء تلميذه السخاوي، رحمه الله، المتوفى سنة 902 هـ، فصنف "فتح المغيث في شرح ألفية الحديث"، وهو من أوفى الشروح وأجودها على ألفية العراقي، وعاصره الحافظ السيوطي الذي شرح كتاب "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير" للنووي، رحمه الله، في مصنف جامع أسماه "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي".
وبعد هذه المرحلة شهد علم المصطلح، شأنه شأن كافة العلوم، انحدارا بعد استقرار مسائله وتدوينه، فلم تظهر منظومات ومصنفات على نفس المستوى السابق، ولعل من أشهر منظومات المتأخرين، في هذا العلم "المنظومة البيقونية"، للشيخ عمر بن محمد البيقوني، رحمه الله، المتوفى سنة 1080 هـ، وهي منظومة صغيرة لا تتجاوز أربعة وثلاثين بيتا، ورغم ذلك فهي من المختصرات النافعة، التي كتب الله لها القبول والشهرة، فتعددت الشروح عليها.
ومن أشهر الشروح المتأخرة، كتاب "قواعد التحديث"، لعلامة الشام، الشيخ محمد جمال الدين القاسمي، رحمه الله، المتوفى سنة 1332 هـ، وهو شرح محرر مفيد.
والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 09 - 2006, 01:59 ص]ـ
بسم الله
السلام عليكم
وعودة لموضوعنا مرة أخرى:
¥