وممن فصل الكلام في هذه المسألة: الشيخ أحمد البنا الساعاتي، رحمه الله، حيث قال في مقدمة الفتح الرباني:
"بتتبعي لأحاديث المسند وجدتها تنقسم إلى ستة أقسام:
· أولا: قسم رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه سماعا منه وهو المسمى بـ "مسند الإمام أحمد" وهو كبير جدا يزيد على ثلاثة أرباع الكتاب.
· ثانيا: قسم سمعه عبد الله من أبيه ومن غيره وهو قليل جدا.
· ثالثا: قسم رواه عن غير أبيه وهو المسمى عند المحدثين بـ "زوائد عبد الله" وهو كثير بالنسبة للأقسام كلها عدا القسم الأول.
· رابعا: قسم قرأه عبد الله على أبيه ولم يسمعه منه وهو قليل.
· خامسا: قسم لم يقرأه ولم يسمعه ولكنه وجده في كتاب أبيه بخط يده.
· سادسا: قسم رواه الحافظ أبو بكر القطيعي عن غير عبد الله وأبيه رحمهما الله تعالى وهو أقل الجميع.
فهذه ستة أقسام وكل هذه الأقسام من المسند إلا الثالث فإنه من زوائد عبد الله والسادس فإنه من زوائد القطيعي.
وأيضا: حدث الخلاف في درجة أحاديث المسند على 3 أقوال:
· أولا: أن ما فيه من الأحاديث حجة، واستدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة منها:
o ما رواه أبو موسى المديني، رحمه الله، عن الإمام أحمد، أنه سئل عن حديث فقال: انظروه فإن كان في المسند وإلا فليس بحجة.
o وما قاله أبو موسى المديني أيضا في كتابه خصائص المسند: "وهذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة فجعله صاحبه إماما ومعتمدا وعند التنازع ملجأ ومستندا ........ ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد، رحمه الله، مسنده قد احتاط فيه إسنادا ومتنا ولم يورد فيه إلا ما صح عنده ما رواه القطيعي قال: حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم)، قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: (اسمعوا وأطيعوا)، فهذا الحديث مع ثقة رجال إسناده حين شذ لفظه عن المشاهير أمر بالضرب عليه فقال عليه ما قلنا وفيه نظائر، فقد خشي أحمد، رحمه الله، أن يتأول هذا الحديث بتأويل يوافق هوى الخوارج، لأن الاعتزال، بمعنى التحزب ضد الحاكم، مظنة الخروج عليه، وهي مسألة شائكة لا يفصل فيها إلا كبار العلماء، والله أعلم، (وهذا مثال على احتياطه في المتون).
o وأما احتياطه في السند، فمثاله، ما ذكره الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا، رحمه الله:
روى القطيعي، قال: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن ثابت الجزري عن ناصح أبي عبد الله عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يؤدب الرجل ولده أو أحدكم ولده خير من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع)، قال عبد الله: وهذا الحديث لم يخرجه أبي في مسنده من أجل ناصح لأنه ضعيف في الحديث وأملاه علي في النوادر.
· ثانيا: أن فيه الصحيح والضعيف والموضوع، فقد ذكر ابن الجوزي، رحمه الله، في الموضوعات 29 حديثا منه وحكم عليها بالوضع، وهو معروف بتساهله في الحكم على الأحاديث بالوضع، وزاد الحافظ العراقي عليه 9 أحاديث حكم عليها بالوضع وجمعها في جزء. وعلق على قول أبي موسى المديني السابق بقوله: على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيحين وليست فيه منها حديث عائشة، رضي الله عنها، في قصة أم زرع ......... وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع. اهـ.
· ثالثا: أن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن، وممن ذهب إلى ذلك من الحفاظ أبو عبد الله الذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن تيمية، والسيوطي.
¥