o حيث قال الحافظ الذهبي رحمه الله: (ولو أنه _ يعني عبد الله بن أحمد _ حرر ترتيب المسند وقربه وهذبه لأتى بأسنى المقاصد ولعل الله تبارك وتعالى أن يقيض لهذا الديوان السامي من يخدمه ويبوب عليه ويتكلم على رجاله ويرتب هيئته ووضعه فإنه محتو على أكثر الحديث النبوي وقل أن يثبت حديث إلا وهو فيه. قال: وأما الحسان فما استوعبت بل عامتها إن شاء الله تعالى فيه وأما الغرائب وما فيه لين فروى من ذلك الأشهر وترك الأكثر مما هو مأثور في السنن الأربعة ومعجم الطبراني الأكبر والأوسط ومسندي أبي يعلى والبزار وأمثال ذلك. قال: ومن سعد مسند الإمام أحمد قل أن تجد فيه خبرا ساقطا).
o وقال الحافظ ابن حجر، رحمه الله، في تعجيل المنفعة في رجال الأربعة: (ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة منها حديث عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، "أنه يدخل الجنة زحفا" والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا أو كتب من تحت الضرب). اهـ.
وقد صنف الحافظ كتابا سماه (القول المسدد في الذب عن المسند)، سرد فيه الأحاديث التي جمعها العراقي في جزء، وهي تسعة كما تقدم، وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات، وأجاب عنها حديثا حديثا، وقد ذكر بعض الباحثين أن في رده نوع تكلف في بعض المواضع.
o وقال شيخ الإسلام، رحمه الله، في منهاج السنة: (شرط أحمد في المسند ألا يروي عن المعروفين بالكذب عنده وإن كان في ذلك ما هو ضعيف. قال: ثم زاد عبد الله بن أحمد زيادات على المسند ضمت إليه وكذلك زاد أبو بكر القطيعي وفي تلك الزيادات كثير من الأحاديث الموضوعة فظن من لا علم عنده أن ذلك من رواية أحمد في مسنده) اهـ.
o وقال الحافظ السيوطي، رحمه الله، في خطبة الجامع الكبير: (وكل ما كان في مسند أحمد فهو مقبول فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن). وقد أكمل السيوطي ما بدأه الحافظ، فجمع بقية الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي في "الموضوعات"، وهي موجودة في المسند في جزء سماه "الذيل الممهد"، وعدتها أربعة عشر حديثا.
والجمع بين هذه الآراء، يكون بإرجاع القولين الأولين إلى القول الثالث وبذلك لا يكون هناك خلاف في درجة أحاديث المسند:
· فمن حكم على بعض أحاديثه بالوضع نظر إلى ما زاده فيه أبو بكر القطيعي وعبد الله بن أحمد.
· والقول بأن فيه الضعيف، فالضعيف فيه دائر بين الحسن لذاته والحسن لغيره وكلاهما مما يحتج به عند العلماء، وفي هذا يقول العراقي في الألفية:
والفقهاء كلهم يستعمله ******* والعلماء الجل منهم يقبله.
وهو بأقسام الصحيح ملحق ******* حجية وإن كان لا يلحق.
خدمات العلماء لمسند أحمد:
ومن أبرزها:
· جمع غريبه في كتاب مستقل، لأبي عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بـ "غلام ثعلب"، رحمه الله، المتوفى سنة 345 هـ.
· واختصره الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقن الشافعي، رحمه الله، المتوفى سنة 805 هـ.
· وللحافظ السيوطي، رحمه الله، تعليقة في إعراب المسند سماها "عقود الزبرجد".
· وقد شرح المسند أبو الحسن بن عبد الهادي السندي، رحمه الله، نزيل المدينة المنورة، المتوفى سنة 1139 هـ، شرحا كبيرا نحوا من خمسين كراسة كبار واختصره الشيخ زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي.
· "جامع المسانيد والسنن": وهو من أبرز الكتب الجامعة، حيث أخذ الحافظ ابن كثير، رحمه الله، كتاب أبي بكر محمد بن عبد الله بن المحب الصامت، الذي رتب فيه المسند على معجم الصحابة ورتب الرواة كذلك كترتيب الأطراف، وزاد علية الكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير ومسند البزار ومسند أبي يعلى الموصلي، وقد أكمله إلا بعض مسند أبي هريرة. ومعلوم أن مسند أبي هريرة مستقل عن المعجم الكبير للطبراني، وعليه فإكمال الكتاب أمر سهل، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير.
· ومن أبرز الخدمات أيضا: ترتيب المسند على الأبواب، وهذا مما يسهل عملية البحث فيه، خاصة بعد أن تقاصرت الهمم عن الحفظ، ومن ذلك:
o ترتيب بعض الحفاظ الأصبهانيين، وكذا الحافظ ناصر الدين بن رزيق وغيره.
o ولعل أبرز من رتب المسند في العصر الحديث: الشيخ أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي، رحمه الله، حيث انتهى منه سنة 1351 هـ، وجعله سبعة أقسام: قسم التوحيد وأصول الدين، وقسم الفقه، وقسم التفسير، وقسم الترغيب، وقسم الترهيب، وقسم التاريخ، وقسم القيامة وأحوال الآخرة، وكل قسم من هذه الأقسام يشتمل على جملة كتب، وكل كتاب يشتمل على جملة أبواب، وبعض الأبواب يشتمل على جملة فصول، وفي أكثر تراجم الأبواب ما يدل على مغزى أحاديث الباب. وقد سمى هذا المصنف: (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني)، وقد شرح هذا الكتاب وخرج أحاديثه في مصنف آخر أسماه: (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني). بتصرف من "الحديث والمحدثون"، ص369_377.
وقد أطلت الكلام، بعض الشيء عن مسند أحمد، رحمه الله، باعتباره النموذج الأمثل لدواوين هذه المرحلة.
والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
¥