وظاهر إطلاق العراقي، يدل على ابن الصلاح اشترط العرض على عدة أصول قبل العمل أو الاحتجاج بالحديث مطلقا سواء كان في الترمذي أو غيره، خلاف النووي، رحمه الله، الذي اكتفى بالعرض على أصل واحد موثق والله أعلم.
سنن النسائي:
وإطلاق القول بـ "سنن النسائي" ينصرف إلى "السنن الصغرى" أو "المجتبى"، وإذا نسب إلى النسائي حديث فإنما يعنون روايته في السنن الصغرى.
ومعلوم أن للنسائي، رحمه الله، كتاب آخر يدعى "السنن الكبرى"، وهو كتاب جامع اهتم النسائي فيه بذكر علل الأحاديث، حتى عد من كتب العلل المعتمدة، وقد جرد أحاديث السنن الكبرى التي صحت عنده في السنن الصغرى، وفي هذا القول نظر، لأن بعض الكتب في السنن الكبرى حذفت بالكامل رغم احتوائها على أحاديث صحيحة وبعضها الآخر أورد كاملا بما يحويه من ضعيف في السنن الصغرى، ولذا ذهب الحافظ الذهبي، رحمه الله، إلى أن "السنن الصغرى" من انتخاب "ابن السني"، رحمه الله، تلميذ النسائي، وللمسألة بسط لا يتسع المجال له.
وقد نص النسائي، رحمه الله، على صحة المجتبى كله فقال: (كتاب السنن كله صحيح وبعضه معلول والمنتخب المسمى بالمجتبى صحيح كله). وهو يقصد بكتاب السنن "السنن الكبرى"، وبالمجتبى "السنن الصغرى"، كما تقدم، وقد علق الشيخ محمد أبو زهو، رحمه الله، على هذا النص بقوله: (هكذا نقل عنه ولعله يريد كله صحيح متنا وبعض أسانيده معلول لأنه لا يلزم من صحة المتن صحة السند).
وهي أصح كتب السنن وأقلها حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا ودرجته في الحديث بعد الصحيحين فهو مقدم على سنن أبي داود وسنن الترمذي (وإن كانت سنن أبي داود تقرن دائما بها في مرتبة واحدة)، لأن النسائي يمتاز عنهما بشدة تحريه في الرجال حتى قيل أنه كان أحفظ من مسلم بن الحجاج، بل قيل بأن شرطه في الرجال أعلى من شرط مسلم، وفي هذا يقول الحافظ رحمه الله: (كم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين)، والتحقيق في هذه المسالة: أنه قد يسلم بأن شرط النسائي في الرجال أعلى من شرط مسلم عموما، أما في "السنن الصغرى" و "صحيح مسلم"، فلا يسلم بأن شرط النسائي في الأول أعلى من شرط مسلم في الثاني. والله أعلم.
ومن أبرز الأدلة على شدة تحري النسائي، تحاشيه حديث ابن لهيعة، رحمه الله، ومعلوم ما في حديثه من خلاف، وفي هذا يقول الحافظ أحمد بن نصر شيخ الدارقطني: (من يصبر على ما يصبر عليه النسائي كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث عنه بشيء)، ويوافقه الحافظ بقوله: (وكان، "أي حديث ابن لهيعة"، عنده عاليا عن قتيبة عنه ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها).
والنسائي لا يخرج لمن أجمع الأئمة على تركه، كما نقل ذلك الحافظ أبو عبد الله بن منده عن محمد بن سعد الباوردي، وفي هذا يقول العراقي:
والنسائي يخرج من لم يجمعوا ******* عليه تركا مذهب متسع.
ولا شك أن صبر محدث ما على عدم تخريج سند عال، مما يدل على شدة تحريه، فالسند العالي مطلب كل محدث، ومع ذلك أعرض النسائي، رحمه الله، عن سند ابن لهيعة، رحمه الله، وهو سند عال، لضعف الأخير.
سنن ابن ماجه:
وهو رابع كتب السنن وسادس الأصول الستة، كما قرر ذلك الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي، رحمه الله، المتوفى سنة 507 هـ، في "أطراف الكتب الستة"، ثم الحافظ عبد الغني المقدسي، رحمه الله، المتوفى سنة 600 هـ في "الكمال في أسماء الرجال"، ثم الحافظ أبو الحجاج المزي، رحمه الله، المتوفى سنة 742 هـ، في تهذيبه لكتاب "الكمال"، ثم تابعهم على ذلك أصحاب الأطراف والرجال.
ومن الملاحظ أن هذا الضم تم متأخرا لأن المتقدمين كانوا على القول بأن كتب الأصول خمسة: الصحيحان وأبو داود والترمذي والنسائي.
يقول الشيخ محمد أبو زهو في "الحديث والمحدثون":
وهو مع ذلك أدنى الكتب الستة درجة، لأن ابن ماجه قد أخرج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث، كما قرر ذلك الحافظ الذهبي بقوله: (قد كان ابن ماجه حافظا صدوقا واسع العلم وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير وقليل من الموضوعات).
¥