ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 09 - 2006, 06:10 م]ـ
بسم الله
السلام عليكم
وبهذا يتضح لنا أن حلقات الإسناد من لدن محمد صلى الله عليه وسلم إلى العصر الذهبي للتدوين مرورا، بمرحلة الصحابة والتابعين، هي حلقات متصلة، لم تفقد إحداها، وإن غلب الحفظ الكتابة في الحلقات المتقدمة، والكتابة الحفظ في الحلقات المتأخرة، فالمهم هو سلامة النقل، بغض النظر عن الوسيلة، وهذا يشبه إلى حد كبير مسألة: جمع عثمان، رضي الله عنه، الناس على حرف من الأحرف السبعة في مصحفه الإمام، وسبقت الإشارة إليها، فالمهم هو: حصول التواتر بغض النظر عن الحرف المتواتر، وقد حصل التواتر بحرف قريش الذي اختاره عثمان، رضي الله عنه، لأن القرآن إنما نزل بلغتهم، ولم يقل أحد بأن التواتر المفيد للعلم الضروري لا يحصل إلا بنقل متواتر لكل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، إذ لم تكن هذه الحروف مقصودة لذاتها، وإنما كانت رخصة في أول الأمر، لئلا يعسر القرآن على بقية قبائل العرب، والله أعلم.
مرحلة القرن الرابع الهجري:
وأهم ما يلفت النظر في هذه المرحلة هو اضمحلال الرواية الشفوية، اللهم إلا بعض المحدثين الذين برزوا في هذه المرحلة وعنوا برواية الأحاديث بأسانيدها، كعناية رجال المرحلة السابقة، ومن أبرزهم أبو بكر بن خزيمة، رحمه الله، المتوفى سنة 311 هـ، وابن حبان البستي، رحمه الله، المتوفى سنة 354 هـ، وأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، رحمه الله، المتوفى سنة 385 هـ، وأبو عبد الله الحاكم، رحمه الله، المتوفى سنة 405 هـ، بالإضافة إلى أصحاب المستخرجات كأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني، رحمه الله، المتوفى سنة 316 هـ، وأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي النيسابوري، رحمه الله، المتوفى سنة 388 هـ، وأبي بكر البرقاني، رحمه الله، المتوفى سنة 425 هـ.
ولذا نص الذهبي، رحمه الله، على أن سنة 300 هـ، هي الحد الفاصل بين قرون الرواية الشفوية، وما تلاها من رواية الأحاديث من الكتب المعتمدة، وهو حد تقريبي، لأنه كما سبق، بقيت باقية ما زالت متمسكة بالرواية الشفوية، وانبنى على هذا الأمر، تساهل العلماء في رواية الحديث ونقله وتوثيق رواته لأنهم في الحقيقة لا يأتون بطرق جديدة، وإنما يروون كتبا معتمدة فالحجة واقعة بما يروونه لا بروايتهم، فروايتهم في الحقيقة "رواية كتب"، كما قرر ذلك البيهقي رحمه الله.
وإلى هذا أشار العراقي في الألفية بقوله:
لنحو ذاك البيهقي، فلقد ******* آل السماع لتسلسل السند
أي أن الأمر في حقيقته آل إلى رواية الكتب المعتمدة لإبقاء خاصية الإسناد التي خصت بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن ملامح هذه المرحلة: أن أي رواية غريبة جاءت من طريق واحد لا يعرف لها طريق غيره، فهي مردودة لاستحالة تفرد رجال هذه المرحلة بحديث لم يتابعوا عليه مع انتشار الرواية وذيوعها.
وجهود هذه المرحلة كانت جهودا تكميلية، كما سبق، ويجدر بنا أن نتعرض لأهمها:
أولا: كتب الصحاح:
وأبرزها صحيح ابن خزيمة:
وهو من تصنيف الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، رحمه الله، شيخ الشافعية في زمانه، وأحد المجتهدين في زمانه ممن بلغوا درجة الاجتهاد المطلق، فهو مجتهد منتسب للمذهب الشافعي لا مقيد بأصول المذهب.
وكتابه من مصادر الصحيح التي أكد عليها ابن الصلاح، رحمه الله، في مقدمته. فالحديث الصحيح، طبقا لمنهج ابن الصلاح: الذي قال بسد باب الاجتهاد في تصحيح الأحاديث في العصور المتأخرة، نظرا لانعدام آلة الاجتهاد في المتأخرين، إما أن يؤخذ من:
· كتب التزم أصحابها الصحة، وذكر منها صحيحي ابن خزيمة وابن حبان.
· أو من كتب يحكم مصنفوها على الأحاديث، وإن لم يشترطوا إيراد الصحيح فقط، كالترمذي، رحمه الله، في جامعه، وهو من أبرز من اعتنى بالحكم على الأحاديث، كما تقدم.
وإلى هذا أشار العراقي بقوله:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ******* صحته أو من مصنف يخص
بذكره كابن حبان الزكي ******* وابن خزيمة وكالمستدرك.
¥