تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكتابه في الصحيح أوسع من كتاب البخاري ومسلم، وهذا دليل جديد على أن الشيخين لم يستوعبا الصحيح في كتابيهما، كما سبق بيان ذلك، وهو أيضا دليل على أن جهود هذه المرحلة جهود تكميلية لجهود أئمة المرحلة السابقة، فكأن ابن خزيمة نظر في الصحيحين، فوجد أنه قد فاتهما من الصحيح أكثر مما أورداه، ولا يعيبهما ذلك، لأنهما لم يلتزما إخراج كل ما صح عندهما، كما سبق بيان ذلك، فأراد أن يخرج ما فاتهما من الصحيح فعمله أشبه ما يكون بالاستدراك عليهما، كما فعل الحاكم، أو إن شئت فقل بأنه كالزوائد عليهما، حيث أنه زاد على كتابيهما ما صح عنده، ولا أدل على ذلك من أن الجزء الذي وصلنا من كتابه "وهو جزء العبادات فقط"، يبلغ عدد أحاديثه 3000 حديث، وصحيح البخاري بغير المكرر يبلغ عدد أحاديثه 4000 حديث، فجزء العبادات فقط من صحيح ابن خزيمة يقارب صحيح البخاري بأكمله.

وابن خزيمة، رحمه الله، من المتساهلين في توثيق الرجال، وإن كان حاله أحسن من حال تلميذه ابن حبان، الذي اشتهر تساهله في التوثيق على تفصيل يأتي ذكره إن شاء الله، فمذهبه أن جهالة عين الراوي ترتفع برواية واحد مشهور عنه، وهذا خلاف مذهب الجمهور الذين يرون أن جهالة العين لا ترتفع إلا برواية اثنين، كما قرر ذلك محمد بن يحيى الذهلي، رحمه الله، (وإن كان الأمر ليس على إطلاقه)، ومع ذلك فهذا غير كاف لتعديل الراوي، وإن كان ناقلا له من مرتبة "مجهول العين" إلى مرتبة "مجهول الحال"، وهو أحسن حالا من الأول، ومن مذهبه كذلك أن الأصل في الرواة العدالة، فالعدالة عنده أمر ملازم للإسلام، خلاف الجمهور الذين يرون أن العدالة قدر زائد على الإسلام.

صحيح ابن حبان:

وهو من تصنيف محمد بن حبان بن أحمد بن حبان، أبو حاتم البستي، رحمه الله، شيخ الشافعية في زمانه، وفيه يسير على خطى شيخه ابن خزيمة في إخراج الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجها الشيخان، حيث بلغت زوائده على الصحيحين 2600 حديث، كما في "موارد الظمآن"، وقد عمد ابن حبان لإخراج أحاديث الثقات، الذين تكلم فيهم بكلام يسير، وأعرض الشيخان عنها، كحماد بن سلمة، رحمه الله، الذي انتقد ابن حبان البخاري لعدم إخراج حديثه.

وابن حبان، رحمه الله، من المتساهلين في التوثيق والتصحيح، كشيخه ابن خزيمة، كما تقدم، فقد أكثر من ذكر مجاهيل نص أبو حاتم الرازي، رحمه الله، وغيره على جهالتهم، في كتابه "الثقات"، لأن الأصل عنده عدالة الراوي، كما تقدم، وفي هذا يقول الحافظ، رحمه الله، في مقدمة "لسان الميزان": (وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة حتى يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه).

وضابط الحديث الذي يحتج به عند ابن حبان هو: (إذا تعرى راويه من أن يكون مجروحا أو فوقه مجروح أو دونه مجروح أو كان سنده مرسلا أو منقطعا أو كان المتن منكرا)، ورغم تساهل ابن حبان، رحمه الله، في توثيق المجاهيل، إلا أنه كان في باب الجرح على النقيض، فهو من الموصوفين بالتعنت في جرحهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك كلامه في "عارم" شيخ البخاري، وهو مما أنكره عليه الذهبي، رحمه الله، غاية الإنكار.

وقد رتب ابن حبان، رحمه الله، كتابه ترتيبا مخترعا فلا هو على الأبواب ولا هو على المسانيد، وإنما رتبه على "التقاسيم والأنواع"، فكتابه ينقسم إلى خمسة أقسام: الأوامر والنواهي والأخبار والإباحات وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يعسر البحث عن أي حديث فيه، ولعل ابن حبان تعمد ذلك، حتى يرفع همة الباحث عن الحديث في كتابه فإما أن يحفظ الكتاب بأكمله ليتمكن من استحضار أي حديث فيه بسهولة، وإما أن يستعرضه من أوله لآخره حتى يصل لمطلوبه فتحصل له الفائدة في كل الأحوال، فكان كتابه كما قال بعض العلماء كتابا: (عز جانبه فكثر مجانبه)، أي كثر المنحرفون عنه لصعوبة البحث فيه حتى جاء الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان، رحمه الله، المتوفى سنة 739 هـ، فرتبه على الأبواب، حتى يسهل تناوله، وسمى ترتيبه: "الإحسان في تقريب ابن حبان"، فأسدى بذلك خدمة جليلة لطلاب الحديث، بل إنه أشار إلى موضع كل حديث في الكتاب الأصلي، مما يعطي الناظر فيه إمكانية البحث عن الحديث

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير