طبقا لترتيب الأبواب، كما تقدم، وإمكانية إعادة الكتاب لترتيب مصنفه الأصلي.
وابن حبان، كشيخه ابن خزيمة، يدخل الحديث الحسن في حد الصحيح، فالحسن عندهما قسم من الصحيح لا قسيم له، كما هو مذهب الجمهور، وهو أمر مسلم به في الاحتجاج، ولكنه غير مسلم في إلحاقه بقسم الصحيح، وفي هذا يقول العراقي في ألفيته:
وهو بأقسام الصحيح ملحق ******* حجية وإن كان لا يلحق.
أي أن الحسن ملحق بالصحيح في الحجية فهو مما يحتج به مطلقا إلا إذا عورض بما هو أقوى منه أو تعارض مع مثله ولم يمكن الجمع بينهما فيتوقف في العمل به ولا يرد لاحتمال ظهور وجه من أوجه الجمع أو الترجيح لمجتهد آخر، وإن كان لا يلحق بقسم الصحيح من الناحية الاصطلاحية.
وفي هذا رد على ابن الصلاح، رحمه الله، في إطلاقه القول بقبول تصحيح ابن خزيمة وابن حبان، لمجرد أنهما اشترطا الصحة، حيث أنهما يريان الحسن قسما من الصحيح، فإذا أطلقنا القول بصحة أحاديثهما، لزمنا أن ندخل أحاديث حسنة في قسم الصحيح، بل ولزمنا أن ندخل في حد الصحيح أحاديث في رواتها مجاهيل، فالأمر يحتاج إلى بحث قبل التسليم بتصحيحهما.
والخلاف في هذه المسألة يهون إذا ما قررنا أن من قال بأن الحسن قسم من الصحيح يقول مع ذلك بأنه من أدنى أقسام الصحيح، فالصحيح، كما هو معلوم، ينقسم إلى مراتب تبعا لتمكنه من شروط الصحة.
ورغم ذلك فإن هذا الأمر يوضح لنا فرقا من الفروق المنهجية بين أئمة المرحلة السابقة وأئمة هذه المرحلة فالأولون كأحمد، رحمه الله، يجعلون الحسن من أقسام الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، ويوردونه إذا لم يجدوا في الباب غيره، فالحسن إذا ما قورن بالصحيح، فهو ضعيف نسبيا، والآخرون يجعلونه من أقسام الصحيح.
وقد التمس بعض العلماء العذر لابن حبان رحمه الله، فأجاب بجواب ملخصه:
· أولا: أنه إن قيل بأن ابن حبان أخرج الحسن ضمن كتاب اشترط الصحة، فلا مشاحة في الاصطلاح، لأن الحسن عنده من أقسام الصحيح فهو داخل في شرطه، وإنما يصح هذا الانتقاد إذا ما أدخله في الصحيح وهو يرى أنه قسيم للصحيح لا قسم منه.
· ثانيا: أنه مع التسليم بخفة شرط ابن حبان إلا أنه وفى بما اشترطه على نفسه، وهذا ما جعل كثيرا من العلماء، كالحازمي، رحمه الله، يقدمه على مستدرك أبي عبد الله الحاكم، رحمه الله، لأنه اشترط شرطا، وإن كان فيه بعض التساهل إلا أنه وفى به، خلاف الحاكم: الذي اشترط شرطا عاليا، (لأنه يستدرك على الصحيحين كما سيأتي)، ولم يوف به.
ثانيا: المستخرجات على الصحيحين:
وموضوع المستخرج هو: أن يعمد المستخرج "بكسر الراء" إلى أحد الكتب المصنفة، فيخرج أحاديثه بطرق خاصة به، من غير طريق مصنف الكتاب الأصلي، بحيث يلتقي معه في شيخه أو شيخ شيخه أو حتى في الصحابي الراوي للحديث. أما إذا لم يحدث اللقاء بينهما إلا عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو حديث آخر وإن اتحد المتن. وشرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله للأقرب ما لم يكن هناك عذر من علو في السند أو زيادة مهمة في المتن. وقد يكون الحديث غريبا لا يعرف من طريق مرضية غير طريق صاحب الكتاب الأصلي، فإما أن يخرجها من طريقه فيكون عمله حينئذ رواية لا استخراجا وإما أن يدعها.
وصنيع الأئمة في تصانيفهم يبرز هذه المسألة، فمسلم، يكاد يكون كتابه مستخرجا على كتاب شيخه البخاري، مع زيادات زادها، كما قرر ذلك الدارقطني، كما سبق ذكره، وهذا مما يعلل عدم رواية مسلم عن شيخه البخاري، لأنه لم يرد أن يكون كتابه نسخة مكررة من كتاب شيخه، فهو كأي مصنف يريد أن يعلو بإسناده، وقد جمع الحافظ، رحمه الله، الأحاديث التي علا فيها مسلم على شيخه البخاري في جزء مستقل أسماه "عوالي مسلم" وعددها أربعون حديثا علا مسلم في كل منها عن البخاري برجل واحد.
وللمستخرجات فوائد كثيرة، من أبرزها:
¥