· شدة ضعف هذا الوجه أو الطريق لأنّ راويه ضعيف جدا أو متروك وما كان كذلك لا يعول عليه في الترجيح والجمع، فلا فائدة من إطالة الخلاف بذكره إلاّ إذا كان من باب التنبيه عليه.
· ومن الأسباب أيضا: ظهور الترجيح في الأسانيد المذكورة كأن تكون من رواية كبار الحفاظ الأثبات فلا حاجة للتطويل في ذكر بقية الأوجه الموافقة.
· ومن الأسباب أيضا: عدم حفظ الدارقطني للطريق المعين في تلك الساعة، وقد قال في عدد من المواضع عن بعض الطرق: «لا أَحْفَظُهُ السَّاعَةَ».
وهذه النقطة تسوقنا إلى الفرق الآخر وهو:
أنّ البزار يسند أحاديثه في الغالب الأعم، يعني يرويها بإسناده، بخلاف الدارقطني حيث يغلب عليه تعليق الأسانيد، وإسناد الحديث عند البزار أعطاه ميزة على «علل الدارقطني»، ومن أسباب تعليق الدارقطني للأوجه والطرق التي يرويها في علله: أنّ الدارقطني لو أسند جميع الأوجه والطرق لكان الكتاب كبير الحجم جدا، فانظر مثلاً إلى حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر، فقد ذكر الدارقطنيُّ الاختلافاتِ في أسانيد الحديث ثم أسند جميع هذه الاختلافات فبلغت قرابة المائة حديث - إسنادا ومتناً - هذا حديثٌ واحد فقط، فما بالك بجميع الكتاب لو أسنده؟!، وكذلك حديث أم كرز في العقيقة أسنده فبلغت أسانيده قرابة ستين حديثا.
ومن الفروق أيضاً النظر في منزلة المصنفين فمنزلة الدارقطني في هذا الفن أجل بكثير من البزار، ومن طالع ترجمة الرجلين، وقرأ في كتابيهما بان له هذا بوضوح، وهذا الفرق يعطي كتاب «علل الدارقطني» ميزة لأنه من تأليف إمام مبرز من أئمة العلل.
وهناك فروق أخرى لا نطيل بذكرها مثل: كثرة أحكام الدارقطني على الأوجه والطرق وغيرها.
وفي الحقيقة لا تباين بين منهج الدارقطني في العلل والسنن بل بين الكتابين توافق يدل على أنّ مؤلف الكتابين إمام في علل الحديث يوضح هذا أمران:
الأمر الأوَّل: أنّ مقصد الدارقطني من تأليف سننه: بيان غرائب وعلل أحاديث أحكام، وقد نصّ على ذلك أبو علي الصدفي، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وأكد ذلك _ من خلال دراسةٍ عميقة بالأرقام _ الباحث عبد الله الرحيلي في رسالته العلمية «الإمام الدارقطني وكتابه السنن». ولمّا كان مقصد الدارقطني كذلك لم يبوب سننه، قال أبو علي حسين بن محمد الصّدفي (ت514 هـ) - وهو من أتقن من روى "سنن الدارقطني" -: ((الكتاب غير مبوّب، قرأته على ابن خَيْرون، وكان عند ابن خَيْرون منه أجزاء بخط الدارقطني، فكان إذا أشكل من الكتاب شيء استخرج تلك الأجزاء، فربما وجد فيه اختلافاً، وفي النسخة مواضع علمتُ على بعضها لم يتجه لي أمرها ... )). المعجم في أصحاب أبي على الصدفي، لابن الآبار، (ص:80).
وما يوجد من تبويبات وتراجم هي من عمل النساخ.
وهذا عمل فيه نوع من التجاوز لوظيفة المحقق الأصلية، وهي إثبات النص كما أراده مؤلفُهُ بدون تعديل أو تحسين.
الأمر الثاني: النَّفَسُ النقدي في الكتاب يوافق تماما نفس الدارقطني في كتابه العلل يتضح ذلك من خلال تعليل الأحاديث، وبيان الاختلافات، والحكم على الأسانيد والرجال، مع الفرق بين طبيعة الكتابين المنهجية. اهـ، (مقتبس من إجابات الشيخ الدكتور علي الصياح، حفظه الله، عن أسئلة وجهها له أعضاء ملتقى أهل الحديث).
خامسا: المعاجم:
وأشهرها على الإطلاق، معاجم الطبراني الثلاثة:
· أولا: المعجم الكبير: وقد جمع فيه مسانيد الصحابة مرتبين على حروف المعجم، (على الحرف الأول من اسم الصحابي فقط)، ما عدا مسند أبي هريرة، رضي الله عنه، فإنه أفرده في مصنف، ويقال بأنه أورد في الكبير نحو خمسمائة وعشرين ألف حديث وإذا أطلق المعجم في كلام العلماء فالمراد الكبير.
· ثانيا: المعجم الأوسط: وقد ألفه على أسماء شيوخه وهم نحو ألفي رجل حتى أنه روى عمن عاش بعده لسعة روايته وكثرة شيوخه وأكثر من غرائب حديثهم، وهذا ما أعطى الكتاب قيمة علمية كبيرة، ويقال بأن فيه ثلاثين ألف حديث وهو في ست مجلدات كبار وكان، رحمه الله، يقول فيه: (هذا الكتاب روحي)، لأنه أفنى عمره في جمعه، فالغرائب لا يقدر على جمعها إلا الحافظ الناقد، وعنه يقول الذهبي: (وفيه كل نفيس عزيز منكر)، ولعل هذا لأن الغرائب مظنة الخطأ كما تقدم.
¥