تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وربَّما يظنُّ الغالط الذي ليس له ذوق القوم ونقدهم أَنَّ هَذَا تناقض مِنْهُم، فإنهم يحتجون بالرَّجل ويوثقونه فِي موضع، ثم يضعِّفونه بعينه ولا يحتجُّون به فِي موضع آخر. ويقولون إن كَانَ ثقة وجب قبول روايته جملة، وإن لم يكن ثقة وجب ترك الاحتجاج به جملة. وهذه طريقة فاسدة مجمع بين أهل الحديث عَلَى فسادها، فإنهم يحتجُّون من حديث الرجل بما تابعه غيره عليه وقامت شهوده من طرق ومتون أخرى، ويتركون حديثه بعينه إذا روى ما يخالف الناس أو انفرد عنهم بما لا يتابعونه عليه. (إذ الغلط فِي موضع لا يوجب الغلط فِي كل موضع والإصابة فِي بعض الحديث أو فِي غالبه لا توجب العصمة من الخطأ فِي بعضه ولا سيما إذا علم من مثل هذا أغلاط عديدة ثم روى ما يخالف الناس ولا يتابعونه عليه فإنه يغلب عَلَى الظن أو يجزم بغلطه). وهنا يعرض لمن قصر نقده وذوقه هنا عَنْ نقد الأئمة وذوقهم فِي هذا الشأن نوعان من الغلط ننبه عليهما لعظيم فائدة الاحتراز منهما:-

أحدهما:- أن يرى مثل هذا الرجل قد وثق وشهد له بالصدق والعدالة أو خرج حديثه فِي الصحيح فيجعل كل ما رَواهُ عَلَى شرط الصحيح، وهذا غلط ظاهر فإنه إِنَّمَا يكون عَلَى شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل والشذوذ والنكارة وتوبع عليه فأما مع وجود ذَلِكَ أو بعضه فإنه لا يكون صحيحاً ولا عَلَى شرط الصحيح. ومن تأمل كلام البخاري ونظرائه فِي تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم فِي صحيحه، علم إمامته وموقعه من هذا الشأن وتبين به حقيقة ما ذكرنا، (وهذه طريقة الحاكم، رحمه الله، لأنه لم يشترط السلامة من العلة والشذوذ، وإنما حكم على ظاهر الأسانيد، كما تقدم).

النوع الثاني من الغلط:- أن يرى الرجل قد تكلِّم فِي بعض حديثه وضعِّف فِي شيخ أو فِي حديث فيجعل ذَلِكَ سببا لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجد كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم وهذا أَيْضَاً غلط فان تضعيفه فِي رجل أو فِي حديث ظهر فيه غلط لا يوجب التضعيف لحديثه مطلقاً. وأئمة الحديث عَلَى التفصيل والنقد واعتبار حديث الرجل بغيره والفرق بين ما انفرد به أو وافق فيه الثِّقَات. وهذه كلمات نافعة فِي هذا الموضع تبين كيف يكون نقد الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه ومعلوله من سليمه «ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورَاً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ»، (وهذه طريقة ابن حزم، رحمه الله) انتهى من كتاب الفروسية ص 242.

فمرجع الخلل في المنهجين واحد وهو: الحكم على ظاهر الأسانيد، فمتى رأى الحاكم رجال الحديث ثقات، حكم بصحة الإسناد، دون أن يلتفت إلى العلة والشذوذ، وصحة السند لا يلزم منها صحة المتن، كما هو معلوم، وإن كان هذا يصح إن أطلقه ناقد بصير بالحديث وعلله، وفي هذا يقول العراقي:

والحكم للإسناد بالصحة أو ******* الحسن دون المتن رأوا

واقبله إن أطلقه من يعتمد ******* ولم يعقبه بضعف ينتقد.

ولعل الحاكم، رحمه الله، قد خرج من عهدة الأحاديث التي أخرجها في المستدرك، مما صح عنده ولم يكن على شرط الشيخين، لأنه يحكم عليها بقوله: صحيح الإسناد، إذ قصر الحكم على الإسناد فقط.

ومتى رأى ابن حزم راويا ضعيفا في السند، حكم على الحديث بأنه ضعيف بغض النظر عن احتمال إصابته أو وجود متابعة معتبرة له.

وقد استمر هذا الخلل في أحكام المتأخرين، فعلى سبيل المثال: حذا ابن القطان الفاسي، رحمه الله، المتوفى سنة 628 هـ، حذو ابن حزم، حتى أن الناظر في منهجيهما يجد تقاربا كبيرا بينهما، وحذا السيوطي، رحمه الله، المتوفى سنة 911 هـ، حذو الحاكم، وإن كان السيوطي أشد تساهلا.

وظهرت في أواخر هذه المرحلة، كتب الشروح، وهي الكتب التي اهتمت بشرح المصنفات، مع عنايتها بتوضيح غريب الأحاديث والأحكام المستنبطة منها، أضف إلى ذلك، كلامهم المنثور ضمن كتبهم عن مسائل علم المصطلح، والأحكام على الأسانيد والمتون، صحة وضعفا، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير