ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[11 - 08 - 2006, 08:15 ص]ـ
ـ التأمل في نظام الكون وأجزائه والتفكر في المخلوقات بدءاً من الإنسان وتكوينه وأعضائه وأجهزته وانتهاء بالنجوم والمجرات وطبقات الأرض ... وكلما تقدم العلم وقف العقلاء مبهورين ومبهوتين من عظمة هذا الكون ونظامه الدقيق ليقفوا بكل خشوع وإجلال وتذلل أمام القدرة الخالقة المكونة وهذا انتقال من المخلوق إلى الخالق ومن الطبيعة إلى مكونها وبارئها ومن المسبب إلى السبب ومن المصنوع إلى الصانع مما يقتضيه العقل ويسوق إليه الفكر في أدق الأمور وأجلها وأحقر الأشياء وأعظمها وهو ما نطق به ذلك الأعرابي بفطرته السليمة فقال: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير.
فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا تدل على العليم الخبير؟
والقرآن الكريم عرض جولات كثيرة جداً مع هذا الباعث الفطري للتدين ليحث العقل على التأمل بالكون والتدبر في المخلوقات والبحث عن نظامها العجيب ليغرس في نفسه الإيمان والعقيدة من ذلك قوله تعالى: (خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ويسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تسرفون) الزمر: 5ـ6.
ومع هذا فقد اختلف علماء وفلاسفة الغرب في تفسيرهم لأصل هذه الفطرة فيقدم لنا المفكر الراحل الدكتور علي سامي النشار في كتابه نشأة الدين (5) عدة نظريات تبحث في أصل التدين وكلها ناتجة عن فكرتين رئيسيتين هما فكرة التطور وفكرة التوحيد.
فالتطوريون استمدوا فكرتهم من تطور الحياة الإنسانية نفسها من الأدنى إلى الأسمى فكما أن التطور يسود الحياة البيولوجية للإنسان فإنه يسود أيضاً الحياة العقلية فالدين بدأ مع الإنسانية في سذاجتها وتطور معها في درج الحياة حتى وصل إلى كماله الحالي، وهنا ينقسم العلماء إلى قسمين مختلفين: قسم يذهب إلى فردية الدين، وقسم يذهب إلى جمعيته.
أنتج الأوليون نظريات مختلفة أهمها نظريتان: النظرية الحيوية أو حيوية المادة التي بنى أصحابها أبحاثهم على دراسة الموت والأحلام عند البدائيين فانتهوا إلى عبادة الأرواح والأسلاف، والنظرية الثانية هي النظرية الطبيعية التي بنيت على دراسة عالم الطبيعة وظواهره وما يقذف به في روع البدائي من أحاسيس نفاذة ومشاعر يصعب حلها فعبدوا عالم الطبيعة الرائع.
أما العلماء الذين ذهبوا إلى جمعية الدين فتمثلهم المدرسة الفرنسية الاجتماعية في أوائل القرن العشرين ومن أشهر روادها (دور كايم) وقد هاجموا أصحاب النظرية الفردية هجوماً عنيفاً وراعتهم فكرة العقل الجمعي ورأوا فيها رمز الدين وقد تكلفوا أشد التكلف في إقامة نظريتهم الصناعية حتى بدت لطيفة الأخذ متناسقة التركيب على ما فيها من ضعف ظاهر.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[11 - 08 - 2006, 08:17 ص]ـ
أما أصحاب نظرية الوحي الأول (التوحيد) فقد نالوا بفطرة فكرة الله واستندوا على البحث الأنتولوجي في إثبات نظرياتهم وقد وجدوا فكرة الله لدى كافة المجتمعات البدائية وأنكروا إنكاراً قاطعاً نظرية التطور مستندين إلى بحث واقعي من أدق الأبحاث ودعموا كل هذا بوثائق ممتازة عن الحياة البدائية الأولى وبدأ البحث سلساً قوياً قائماً على الواقع من ناحية وعلى ما ندركه في أنفسنا من ناحية أخرى نحو هذه الفكرة النبيلة الجليلة (الله) واختفت فكرة التطور اختفاء كاملاً خلال هذا البحث الجليل ولم يعد ثمة مكان لتطور الدين من ماهية إلى ماهية أخرى كما لم يعد ممكناً في كثير من الأبحاث الفسيولوجية والبيولوجية لتطور كائن من ماهية ونوع إلى كائن من ماهية ونوع آخر.
¥