تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والابتلاء في صدر الآية مقيد بـ "الكلمات"، وكلمات الله، عز وجل، كونية وشرعية، والذي رجحه المفسرون، كالطبري وابن كثير، رحمهما الله، كما سيأتي إن شاء الله، أن المقصود بالكلمات هنا: الكلمات الشرعية، التي هي محل الابتلاء الشرعي الذي يثاب الممتثل به ويعاقب المخالف له، والابتلاء، كما تقدم، اختبار، والاختبار لا يكون إلا بتكاليف شرعية: افعل ولا تفعل.

ولما طلب الخليل، صلى الله عليه وسلم، من ربه، أن يجعل الإمامة في ذريته، حجبها الله، عز وجل، عن الظالمين، فلا يكون الظالم أو المشرك إماما يأتم الخلق به، إمامة نافعة، فدل ذلك على أن مناط الأمر الالتزام بالتكاليف الشرعية التي يرفع الإخلاص ومتابعة السنة فيها صاحبها إلى مرتبة الولاية والإمامة في الدين، فليس الأمر جعلا كونيا، وإنما هو التزام شرعي، من أتى به استحق الإمامة في الدين تفضلا ومنة من الله، عز وجل، ومن لا فلا، ولذا كان شعارنا ن نحن أهل السنة، قول الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فلم يقل سبحانه: وجعلنا منهم أئمة جعلا كونيا لا دخل للتكليف الشرعي فيه، وإنما علق الإمامة على الصبر والإيمان، وإلى ذلك أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله:

" أي: لما كانوا صابرين على أوامر الله وترك نواهيه وزواجره وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر. ثم لما بدلوا وحَرَّفوا وأوَّلوا، سلبوا ذلك المقام، وصارت قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه، فلا عمل صالحًا، ولا اعتقاد صحيحًا". اهـ، فلا اختصاص لأحد بإمامة الدين دون أحد، لأنها ليست وراثة ملك، وإنما هي وراثة نبوة، ولم يورث الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، درهما أو دينارا، وإنما ورثوا العلم، ولم يجعل الله، عز وجل، العلم به وبأحكامه حكرا على طائفة بعينها يقلدها الأتباع، كما يقلد متعصبة المذاهب أئمتهم، فلسنا كغيرنا من الأمم، ممن أوتي العلم فخصه بطائفة صيرته كهنوتا متوارثا، والله اعلم.

وصدق سفيان، رحمه الله، إذ يقول: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين"، وينسب هذا القول، أيضا، للإمام المطلبي، محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله.

وإلى أقوال كبار مفسري أهل السنة والجماعة، وبداية مع:

شيخهم الإمام محمد بن جرير الطبري، رحمه الله، إذ فسر الابتلاء بقوله:

"يعني جل ثناؤه بقوله: (وإذ ابتلى)، وإذا اختبر.

يقال منه: "ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء ومنه قول الله عز وجل: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) [سورة النساء: 6]، يعني به: اختبروهم".

وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه، وأمر أمره به. وذلك هو"الكلمات" التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا.

ثم نقل عدة روايات، على عادته، تبين هذا الابتلاء، منها:

قول ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم، ابتلاه الله بكلمات، فأتمهن. قال: فكتب الله له البراءة فقال: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [سورة النجم: 37]. قال: عشر منها في"الأحزاب"، وعشر منها في"براءة"، وعشر منها في"المؤمنون" و"سأل سائل"، وقال: إن هذا الإسلام ثلاثون سهما. اهـ، وكلها تكليفات شرعية، لا كلمات كونية.

ثم أردف القول الأول، بالثاني وهو:

وقال آخرون: هي خصال عشر من سنن الإسلام.

ثم سرد روايات تبين هذه الخصال أو السنن، منها قوله:

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء. اهـ

وهي، أيضا، خصال تكليفية، لا كلمات كونية.

وأما ابن كثير، رحمه الله، فيقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير