تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"يقول تعالى مُنَبِّهًا على شرف إبراهيم خليله، عليه السلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد، حتى قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي، ولهذا قال: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} أي: واذكر، يا محمد، لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملَّة إبراهيم وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي {فَأَتَمَّهُنَّ} أي: قام بهن كلهن، كما قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، أي: وفى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات الله عليه، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120 - 123]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161]، وقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 67، 68]

وقوله تعالى: {بِكَلِمَاتٍ} أي: بشرائع وأوامر ونواه، فإن الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدرية، كقوله تعالى عن مريم، عليها السلام: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].

وتطلق ويراد بها الشرعية، كقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرًا أو نهيًا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} أي: قام بهن. قال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} أي: جزاء على ما فَعَل، كما قام بالأوامر وتَرَكَ الزواجر، جعله الله للناس قدوة وإمامًا يقتدى به، ويحتذى حذوه". اهـ

فلم يكن اصطفاؤه لإمامة الناس جعلا كونيا، وإنما كان جزاءا على ما التزم به من كلمات شرعية، ومضمون الكلمات الشرعية، كما تقدم، أوامر ونواه، والله أعلم.

ويشير الألوسي، رحمه الله، إلى معنى لطيف في الابتلاء المذكور في الآية إذ يقول:

والمراد به هنا التكليف، أو المعاملة معاملة الاختبار مجازاً، إذ حقيقة الاختبار محالة عليه تعالى لكونه عالم السر والخفيات، ................. ، فالابتلاء بمعنى الاختبار حقيقة لصحته من العبد. اهـ

وقد سبق أن المقصود هنا اختبار من يعلم العلم الأزلي الأول لا من يختبر ليكتسب علما جديدا، تعالى الرحمن عالم السر والخفيات عن ذلك علوا كبيرا، وهو، وإن لم يصح إطلاقه في حق الله، عز وجل، بمعنى الاختبار حقيقة، إلا أنه يصح إطلاقه بهذا المعنى في حق العبد.

ويشير في موضع تال لمعنى الإمام لغة بقوله:

والإمام اسم للقدوة الذي يؤتم به. ومنه قيل لخيط البناء: إمام، وهو مفرد على فعال.

وظاهر كلام الألوسي، رحمه الله، قصر هذه الإمامة على إمامة النبوة، وعليه يكون آخر إمام، بهذا المعنى المخصوص، محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين وإمامهم، ونص كلامه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير