جعلا كونيا: كما في قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا)، و: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا)، فلا يؤمنون كونا وإن أمروا بالإيمان شرعا، وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).
وجعلا شرعيا: كما في قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)
و: "القضاء" فإن منه:
قضاء كونيا: كما في قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)، فقضى إفسادهم في الأرض كونا وإن لم يرده شرعا.
وقضاء شرعيا: كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
و: "الإرسال" فإن منه:
إرسالا كونيا: كقوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)، وقوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ).
وإرسالا شرعيا: كقوله تعالى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا).
و "البعث" فإن منه:
بعثا كونيا: كقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا).
وبعثا شرعيا: كقوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
و: "الإرادة" فإن منها:
إرادة شرعية: كقوله تعالى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وإرادة كونية: كقوله تعالى: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ).
و "التحريم" فإن منه:
التحريم الكوني: كقوله تعالى: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ).
فالتحريم الكوني بمعنى: المنع.
يقول أبو السعود رحمه الله: " {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} أي منعناه أنْ يرتضعَ من المرضعاتِ". اهـ
والتحريم الشرعي: كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ).
و "الإنزال" فإن منه:
الإنزال الكوني: كقوله تعالى: (فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، وقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ).
والإنزال الشرعي: كقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ)
وقد أشار ابن تيمية، رحمه الله، إلى جملة نافعة من المصطلحات الكونية والشرعية في الكتاب العزيز، في أول كتابه: "الجواب الصحيح"، في معرض رده على النصارى الذين زعموا أن إرسال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إرسال كوني كإرسال ريح العذاب!!!!!
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وأما من كان من جهلاء أهل الكتاب الذين يقولون أنه كان ملكا مسلطا عليهم وأنه رسول غضب أرسله الله إرسالا كونيا لينتقم به منهم كما أرسل بختنصر وسنحاريب على بني إسرائيل وكما أرسل جنكس خان وغيره من الملوك الكافرين والظالمين مما ينتقم به ممن عصاه فهؤلاء أعظم تكذيبا له وكفرا به من أولئك فإن هؤلاء الملوك لم يقل أحد منهم إن الله أنزل عليه كتابا ولا أن هذا الكلام الذي أبلغه إليكم هو كلام الله ولا أن الله أمركم أن تصدقوني فيما أخبرتكم به وتطيعوني فيما أمرتكم به ومن لم يصدقني باطنا وظاهرا فإن الله يعذبه في الدنيا والآخرة بل هؤلاء أرسلهم إرسالا كونيا قدره وقضاه كما يرسل الريح بالعذاب وكما يرسل الشياطين قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} ". اهـ
"الجواب الصحيح"، (1/ 94، 95).
والله أعلى وأعلم.