وهو أن ينظرَ العبدُ في هذا العمل، هل هوَ مقدورٌ عليهِ فيعملَه، مثل الصيام والقيام. أو غيرَ مقدورٍ عليهِ فيتركَه. ثم ينظر هل في فعله خيرٌ في الدنيا والآخرة فيعملَه، أو في عملِه شرٌ في الدنيا والآخرة فيتركَه. ثم ينظر هل هذا العمل للهِ تعالى أم هو للبشر، فإن كان سيعملُه لله فعلَه، وإن كانت نيتَهُ لغيرهِ ترَكه.
§ النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل: وهو ثلاثة أنواع:
* النوعُ الأول: محاسبة النفس على طاعاتٍ قصَّرتْ فيها.
كتركها للإخلاصِ أو للمتابعة، أو تركِ العمل المطلوب كترك الذكر اليومي، أو تركِ قراءةِ القرآن، أو تركِ الدعوة أو ترك صلاةِ الجماعة أو ترك السننِ الرواتب. ومحاسبة النفس في هذا النوعِ يكون بإكمالِ النقص وإصلاح الخطأ، والمسارعةِ في الخيرات وترك النواهي والمنكرات، والتوبةِ منها، والإكثارُ من الاستغفار، ومراقبةُ اللهِ عز وجل ومحاسبة القلب والعمل على سلامتِه ومحاسبةُ اللسان فيما قالَه، وإشغالِه إما بالخيرِ أو بالصمت، وكذلك يكونُ بمحاسبة العين فيما نظرت، فيطلقها في الحلالِ ويَغُضُّها عن الحرام، وبمحاسبة الأُذن ما الذي سَمِعته، وهكذا جميعِ الجوارح.
* النوعُ الثاني من أنواع محاسبة النفس بعد العمل:
أن يحاسبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تركُهُ خيراً من فعله؛ لأنهُ أطاعَ فيه الهوى والنفس، وهو نافذةٌ على المعاصي، ولأنهُ من المتشابه،
يقولُ صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلال بَيِّن! وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقعَ في الشبهات وقع في الحرام)). ويقولُ عليه الصلاة والسلام: ((دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك)).
* والنوع الثالث:
أن يُحاسبَ الإنسانُ نفسَه على أمرٍ مباح أو معتاد: لمَ فعله؟ وهل أرادَ به الله والدارَ الآخرة فيربح، أم أرادَ به الناسَ والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوتَهُ الظَفَرُ به.
* * *
· ولمحاسبة النفس فوائدٌ جمّةٌ، منها:
أولاً: الإطلاعُ على عيوبِ النفس، ومن لم يطلع على عيبِ نفسِه لم يمكنهُ معالجتُه وإزالته.
ثانياً: التوبةُ والندمُ وتدارك ما فات في زمنِ الإمكان.
ثالثاً: معرفةُ حقُ اللهِ تعالى، فإن أصلَ محاسبةُ النفس هو محاسبتُها على تفريطها في حقِ الله تعالى.
رابعاً: انكسارُ العبد وتذلُلَه بين يدي ربه تبارك وتعالى.
خامساً: معرفةُ كرَمِ الله سبحانه ومدى عفوهِ ورحمتهِ بعبادهِ في أنه لم يعجل لهم عقوبتَهم معَ ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.
سادساً: الزهد، ومقتُ النفس، والتخلصُ من التكبرِ والعُجْب.
سابعاً: تجد أنَّ من يحاسبُ نفسَهُ يجتهدُ في الطاعةِ ويترُكُ المعصية حتى تَسهُلَ عليهِ المحاسبةُ فيما بعد.
ثامناً: ردُ الحقوقِ إلى أهلِها، ومحاولةُ تصحيحِ ما فات.
وغيرها من الفوائد العظيمة الجليلة.
· وهناكَ أسبابٌ تعينُ المسلمَ على محاسبةِ نفسهِ وتُسهِّلُ عليهِ ذلك، منها ما يلي:
1. معرفةُ أنك كلما اجتهدت في محاسبةِ نفسكَ اليوم، استراحتَ من ذلك غداً، وكلما أهملتها اليوم اشتدَّ عليكَ الحسابُ غداً.
2. معرفةُ أنَّ ربحَ محاسبة النفس هو سُكْنى الفردوس، والنظرُ إلى وجهِ الربِ سبحانه، وأنَّ تركها يؤدي بك إلى الهلاكِ ودخولِ
النار والحجابِ عن الرب تبارك وتعالى.
3. صحبةُ الأخيار الذينَ يُحاسبونَ أنفسَهُم، ويُطلِعونَك على عيوبِ نفسِكَ، وتركُ صحبة من عداهم.
4. النظرُ في أخبارِ أهل المحاسبةِ والمراقبة، من سلفِنا الصالح.
5. زيارةُ القبورِ والنظرُ في أحوالِ الموتى الذين لا يستطيعونَ محاسبةَ أنفسِهم أو تدارُكِ ما فاتَهم.
6. حضورُ مجالس العلمِ والذكر فإنها تدعو لمحاسبة النفس.
7. البعدُ عن أماكن اللهوِ والغفلة فإنها تُنسيكَ محاسبةَ نفسك.
8. دعاءُ اللهِ بأن يجعلك من أهلِ المحاسبة وأن يوفقك لذلك.
· كيفَ أحاسبُ نفسي؟
سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى.
وللإجابة على هذا التساؤل:
ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي:
أولاً: البدءُ بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ.
¥