تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذا حالهم في النقليات. وتأمل حال العلمانيين في زماننا، وانظر بتمعن في طريقة قراءتهم للآيات أو الأحاديث التي يستدلون بها، لترى أي علم حصله أولئك الجهلة الذين يدعون التحقيق العلمي، بل والعلم ببواطن الشريعة ومقاصدها، فبعضهم يدعي نصرة الإسلام بمقالته التي يهدم بها الإسلام!!!.

وأما طريقتهم في المعقولات فعنها يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَقَوْلُ الجهمية مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين؛ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ؛ (أي: إثبات الوجود الكلي المطلق بشرط الإطلاق أو قول الاتحادية بوحدة الوجود) وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّعْطِيلِ؛ لَكِنْ هُمْ يُثْبِتُونَهُ أَيْضًا. فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. فَيَبْقَوْنَ فِي الْحَيْرَةِ؛ وَلِهَذَا يَجْعَلُونَ الْحَيْرَةَ مُنْتَهَى الْمَعْرِفَةِ وَيَرْوُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا مَكْذُوبًا عَلَيْهِ {أَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ أَشَدُّكُمْ حَيْرَةً} وَأَنَّهُ قَالَ: {اللَّهُمَّ زِدْنِي فِيك تَحَيُّرًا} وَيَجْمَعُونَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ مُلْتَزِمِينَ لِذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ والاتحادية وَهُوَ لَازِمٌ لِقَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ هَؤُلَاءِ بِالْتِزَامِهِ". اهـ

فزادهم الله حيرة على حيرتهم!!، فلا نجاة في اتباع طريقة من نادى على نفسه بالحيرة والاضطراب ووصايا كبار المتكلمين ممن رجعوا عن تلك المقالة، كالجويني والغزالي والشهرستاني والرازي، رحمهم الله، خير شاهد على ذلك.

وهم يدعون التحقيق والتجديد، كما يدعيه العلمانيون في العصر الحاضر، وحاصل مقالتهم: العدول عن الكتاب العزيز إلى عقل فلان وفلان من الحيارى، فَيَدَعون تقليد الوحي المعصوم، وهو ليس تقليدا، وإنما اتباع على بصيرة إذ مقلد الوحي لا يخضع له إلا بعد قيام الأدلة النقلية الصحيحة والعقلية الصريحة على عصمته فدعوى النبوة أعظم الدعاوى والناس أحوج ما يكونون إلى رسالة تعصمهم في العلم والعمل فمن رحمة الله عز وجل أن بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام وأقام الحجج الدامغة على صحة رسالتهم فإن الشيء كلما كانت حاجة الناس إليه أعظم كان رحمة الله عز وجل ببيانه أعظم. يقول ابن تيمية، رحمه الله، بقوله: "وكلما كان الناس إلى الشيء أحوج، كان الربّ به أجود، وكذلك كلما كانوا إلى بعض العلم أحوج، كان به أجود؛ فإنه سبحانه الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وهو الذي خلق فسوّى، والذي قدَّر فهدى، وهو الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى فكيف لا يقدر أن يهدي عباده إلى أن يعلموا أنّ هذا رسوله، وأنّ ما جاء به من الآيات أنّه من الله، وهي شهادة من الله له بصدقه، وكيف تقتضي حكمته أن يسوي بين الصادق والكاذب؛ فيؤيد الكاذب من آيات الصدق، بمثل ما يؤيّد به الصادق؛ حتى لا يعرف هذا من هذا، وأن يرسل رسولاً يأمر الخلق بالإيمان به وطاعته، ولا يجعل لهم طريقاً إلى معرفة صدقه وهذا كتكليفهم بما لا يقدرون عليه، وما لا يقدرون على أن يعلموه. وهذا ممتنع في صفة الرب، وهو منزّه عنه سبحانه؛ فإنه لا يكلّف نفساً إلا وسعها.

وقد علم من سنته وعادته: أنّه لا يؤيد الكذاب، بمثل ما أيّد به الصادق قط، بل لا بد أن يفضحه ولا ينصره، بل لا بد أن يهلكه". اهـ

الشاهد أنهم يدعون تقليد النبوة المعصومة إلى تقليد فلان وفلان، ثم يرمون متبع النبوة بالجمود والتقليد!!!، على طريقة: "رمتني بدائها وانسلت"!!.

وقد فتنوا بما وصل إليه الغرب من مدنية حديثة عارية عن الدين والأخلاق: مضمون الحضارة الحقيقي، إذ لا حضارة بلا دين وأخلاق، والأخلاق إنما تستمد من الدين فهي رافد من روافده، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وظنوا أن سبيل النهوض بالشرق المسلم: نبذ تعاليم الوحي المعصوم كما نبذ الغرب تعاليم الكنيسة البالية التي صادرت العقول والأبدان ومارست أبشع أنواع الإرهاب الفكري ضد أتباعها فلا جنة إلا بصك من البابا، ولا خلاص إلا بالانقياد التام لرجال الكهنوت، فسوى أولئك الحيارى بين دين العلم والعمل المؤيد بالدليل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير