وأما قولك: " ويقولون في تقرير هذه الصفات: إن الله يجلس كما يجلس الواحد على السرير، وينزل كما ينزل أحدنا الدرج "؛ فهذا من باب التشويه والإرجاف والتنفير، وإلا كان الواجب عليك – إذا كان هذا واقعًا – أن تبين: من هو قائله؟ وفي أي مدرسة أو جامعة؟ أو في أي كتاب قاله؟ حتى يمكن مناقشته وإيقافه عند حده. وما ذكرته من أنهم يقولون عن الاستواء والنزول: إنه جلوس حسيّ ونزول حسيّ؛ فالصواب أن يقال: استواء حقيقي ونزول حقيقي. هذا تعبير أهل السنة والجماعة، وهو على ما يليق بالله عز وجل، وليس من معاني الاستواء الجلوس عندهم؛ فإن معاني الاستواء عندهم هي: العلو، والاستقرار، والارتفاع، والصعود.
قال العلامة ابن القيم في النونية مبينًا معاني الاستواء عند السلف:
ولهم عبارات عليها أَربَع ** قد حَصَلت للفارس الطَّعَّان
وهي استقر وقد علا وكذلك ** ارتفع الذي ما فيه من نُكران
وكذاك قد صعد الذي هو رابع ** وأبو عبيدةَ صاحب الشيباني
يختار هذا القول في تفسيره ** أَدرَى مِنَ الجهميّ بالقرآن
ثم قال فضيلة الشيخ الصابوني:
" بل لم يكن يتلفظ الواحد منهم – يعني: السلف – بمعنى الاستواء، حتى لا يتوهم السامع التشبيه؛ كما فعل الإمام مالك - رحمه الله - حين قال للسائل: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. . . وقد كان بإمكانه أن يقول له: الاستواء: هو الجلوس، ألا تعرف الجلوس؟ " انتهى.
- والجواب أن نقول: إن السلف لم يكونوا يتحاشون من ذكر معاني الصفات، لأنهم يعلمونها، ويعتقدون معناها، ألا تراهم فسروا الاستواء بأربعة معان؛ كما ذكرنا عنهم؟ إنما كانوا يتحاشون الخوض في الكيفية؛ لأنهم لا يعلمونها، والذي سأل الإمامَ مالك لم يسأله عن المعنى، إنما سأله عن الكيفية؛ فإنه قال: {اسْتَوَى}، ولهذا قال له مالك: " والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة " يعني: الكيف.
9 – قال: " وأهل السنة قد اشتهروا بمذهبين اثنين؛ هما: الأول: مذهب السلف، والثاني: مذهب الخلف، وكل منهما لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة ".
- والجواب عن ذلك أن نقول: إذا كان مذهب الفريقين واحدًا؛ فلماذا قسمتهم إلى سلف وخلف، وإن كان مذهب الفريقين مختلفًا – كما هو الواقع - فإنه لا يصح لغة ولا شرعًا ولا عقلًا أن تجعلهم جماعة واحدة في هذا الباب، وتطلق عليهم جميعًا أهل السنة والجماعة، مع أن المراد بأهل السنة والجماعة ما وضحه النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
فهل كان تأويل الصفات أو تفويضها الذي يفعله الخلف –كما ذكرتَ عنهم - هل هو مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم؟!
إذن؛ ليس من يؤول الصفات أو يفوِّضها من أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وإن كان منهم في أبواب أخرى لا يخالفهم فيها.
10 – ثم يضيف الشيخ إلى مذهب السلف ما ليس منه، فيقول:
" وخلاصة مذهب السلف أنه يجب علينا أن نصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه من صفات على ما يليق به سبحانه، فتنزهه جل وعلا عن الجسمية والشكل والصورة ".
- فقوله: " ننزهه عن الجسمية والشكل والصورة ": هذا ليس من مذهب السلف، فهم ينفون ما نفاه الله عن نفسه، ولم يرد نفي الجسم والشكل، فهم يمسكون عن ذلك، ويكتفون بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وأمثاله من النفي المجمل.
وأما الصورة فقد ورد الأحاديث إثباتها في حق الله تعالى؛ فهم لا ينفونها.
11 - يسوِّغ تأويل بعض الصفات، حيث يقول:
" لذلك مالوا (يعني السلف) إلى التأويل في بعض الصفات التي توهم التشبيه، كالاستواء، والنزول، والإتيان، والمجيء، لأن عصرهم الذي عاشوا فيه لم يكن كالعصر السابق: عصر التسليم والتفويض، وإنما عصر الجدل والمناظرة، فهم لم يؤوِّلوا عن هوى ومكابرة، وإنما أوَّلوا عن حاجة واضطرار؛ لدفع شغب المجادلين في صفات الله بالباطل، ومن ذلك الحين اشتهر لعلماء أهل السنة مذهبان اثنان هما: مذهب أهل التفويض، ومذهب أهل التأويل، أما المذهب الأول؛ فهو المشهور بمذهب السلف، والمذهب الثاني هو المشهور بمذهب الخلف، وكل من المذهبين منسوب إلى أهل السنة " انتهى.
- والجواب أن نقول:
¥