فيؤخذ من كلام الكناني هذا أنه قد بدأ بكتابة هذه المناظرة بنفسه، فقد كتب مقدار عشر أوراق، ويظهر من هذا أنه أكمل الباقي بعد ذلك لأن الكتاب كله يتكون من سبع وثلاثين ورقة.
وأن بشرا وأتباعه مازالوا يلبسون على، المأمون، ويحثونه على إيذاء المخالفين لهم لاسيما عبد العزيز الكناني في هذا الم لمحت الذي انتشر فيه خبر المناظرة، كما أشار الكناني إلى ذلك.
الرابع: لو أن إسناد الكتاب تفرد به محمد بن الحسن بن الأزهر وحده ولم يأت له إسناد آخر كما سبق فإننا نقول إن نسبة الكتاب الثابتة لعبد العزيز الكناني كما سنرى ذلك من أقوال العلماء الثقات، لا يضره أن يأتي شخص مثل محمد بن الأزهر، فيروي الكتاب لأنه سيكون من باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "صدقك وهو كذوب "1 كيف وقد وجد له إسناد آخر.
وإليك ما قاله العلماء في إثبات هذه المناظرة بين عبد العزيز الكناني، وبشر المريسي عند الخليفة المأمون، وإثبات نسبة كتاب "الحيدة" للكناني:
1 - ابن النديم- يقول في الفهرست ص 275: عبد العزيز الكناني من طبقة الحارث، كان متكلما مقدما وزاهدا عابدا وله في الكلام والزهد كتب، وتوفي وله من الكتب كتاب/ الحيدة فيما جرى بينه وبين بشر المريسي.
2 - الخطيب البغدادي- قال في تاريخ بغداد 10/ 449: عبد العزيز بن يحي الكناني المكي سمع عبد الله بن معاذ الصنعاني وسليم بن مسلمة المكي إلى أن قال: قدم بغداد في أيام المأمون وجرى بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب " الحيدة".
3 - الذهبي نفسه يقول في العبر 1/ 434: وفي سنة أربعين ومائتين توفي عبد العزيز بن يحي الكناني المكي صاحب كتاب/ الحيدة. ويقول في دول الإسلام ص 146: وفي سنة أربعين ومائتين توفي عبد العزيز بن يحي الكناني صاحب كتاب الحيدة.
4 - ابن كثير- ويقول ابن كثير في طبقات الشافعية1 الطبقة الأولى: عبد العزيز الكناني صاحب كتاب الحيدة في مناظرة الجهمية روى عن الشافعي. قال الخطيب البغدادي هو صاحب كتاب الحيدة. قد طالت صحبته الشافعي، ثم نقل عن الشيرازي من طبقات الشافعية قول أبي إسحاق: وهو المكي المتكلم الذي ناظر بشرا المريسي.
5 - أبو إسحاق الشيرازي- الذي أشار إلى قوله ابن كثير، يقول في طبقات الشافعية ص 103 ومنهم عبد العزيز بن يحي الكناني المكي المتكلم، وهو الذي ناظر بشرا المريسي عند المأمون في نفي خلق القرآن، قال دود بن علي. هو أحد أصحاب الشافعي أخذ عنه وطالت صحبته وأتباعه له وخرج معه إلى اليمن. اهـ.
6 – ابن حجر- ويقول ابن حجر في تهذيب التهذيب 463/ 6 وقد ذكر شيوخه وتلاميذه ثم نقل عن الخطيب قوله: قدم بغداد في أيام المأمون وجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن وهو صاحب كتاب الحيدة. وكان من أهل العلم والفضل وله مصنفات عدة، وكان ممن تفقه للشافعي واشتهر بصحبته.
ومما يؤكد أن رأي الذهبي وجهة نظر قابلة للنقاش- أن ابن حجر الذي ذكر وجهة النظر هذه كما تقدم قد نقل نصا من "الحيدة" في فتح الباري 13/ 452 في شرح باب {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شيء} فقد قال: وأشار ابن بطال إلا أن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحي المكي فإنه قال في كتاب "الحيدة" سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه بل دل على نفسه إنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم، وسبق في علمه إنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقه ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} وقال تعالى: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى أنها موجودة.
فعمل ابن حجر هذا يبين لنا أنه لو كان موافقا للذهبي في وجهة نظره لما نقل هذا النص الذي أشار فيه ابن بطال إن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز المكي من "كتاب الحيدة".
¥