تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت لأبي عبد الله: بينه لي، كيف يكون ذلك؟ قال: «تكتب الإسناد متصلاً وهو ضعيف، ويكون المنقطع أقوى إسنادًا منه، وهو يرفعه ثم يسنده، وقد كتبه هو على أنه متصل وهو يزعم أنه لا يكتب إلا ما جاء عن النبى ?».

قال الميموني: معناه: لو كتب الإسنادين جميعًا عرف المتصل من المنقطع، يعني: ضعف هذا وقوة هذا.

وكذلك؛ كتابة الموقوفات؛ فقد يكون الحديث مما اختلف فيه الرواة؛ رفعه بعضهم، وأوقفه البعض الآخر، ويكون الصواب الوقف، فالذي لا يكتب من الحديث إلا المرفوع تخفى عليه علل الأحاديث المرفوعات خطأ.

وإذا كانت كتابة الأحاديث المراسيل والأحاديث الموقوفات تفيد في معرفة علة الحديث - كما بينا - فهي أيضًا تفيد في تقوية الأحاديث، حيث تكون مختلفة المخرج عن الموصول أو الموقوف، وقد رأى أهل العلم صحة الحديث مرفوعًا وموقوفًا، أو موصولاً ومرسلاً، فإن تعدد الأسانيد للحديث الواحد يقوي بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض.

ومن هنا؛ ندرك أهمية معرفة كل ما يروى في الباب من مرفوعات ومقوفات، وموصولات ومراسيل؛ حتى يستطيع الباحث أن يعتبر الرواية كما ينبغي، لينظر: هل الراوي تفرد بها أم لم يتفرد؟ هل الراوي خالف فيها غيره أم لم يخالف؟ هل الراوي وافقه غيره على ما روى أم لم يوافق؟

* في كنف الأئمة:

ولما كان العلماء الحفاظ، هم أعلمَ الناس بالروايات، واختلافها، وأحفظَ الناس لها، وأعرفَ الناس بما يعتريها من العلل الظاهرة والخفية، وأضبطَ الناس للقواعد والأصول التى على أساسها تتميز الأحاديث، وأفقه الناس في تطبيقها وتنزيلها على الروايات والأسانيد؛ كان من الضروري - والضروري جدًا - الرجوع إلى كتب علل الأحاديث المتخصصة، والبحث عن أقوال أهل العلم على الأحاديث، فإن بالوقوف على كلمة أو حرف يُنسب إلى إمام من أئمة علل الأحاديث، تحل مسائل معلقة، وتفتح أبواب مغلقة.

وآفة الآفات، ومنشأ الخلل الحاصل من قبل بعض الباحثين، هو ممارسة تحقيق الأحاديث، والحكم على الأسانيد والمتون استقلالاً من دون الرجوع إلى أئمة العلم لمعرفة كيفية ممارساتهم العملية.

فكما أن القواعد النظرية في هذا العلم تؤخذ من أهله المتخصصين فيه، فكذلك ينبغي أن يؤخذ الجانب العملي منهم؛ لا أن تؤخذ منهم فقط القواعد النظرية، ثم يتم إعمالها عمليًا من غير معرفة بطرائقهم في إعمالها وتطبيقها.

فإن أهل مكة أعلم بشعابها، وأهل الدار أدرى بما فيه، وإن أفضل من يطبق القاعدة هو من وضعها وحررها، ونظم شرائطها، وحد حدودها.

وليس هذا، جنوحًا إلى تقليدهم، ولا دعوة إلى تقديس أقوالهم، ولا غلقًا لباب الاجتهاد، ولا قتلاً للقدرات والملكات؛ بل هى دعوة إلى أخذ العلم من أهله، ومعرفته من أربابه، ودخوله من بابه وتحمله على وجهه.

وما رجوع أهل العلم ونقاده، بعضهم إلى بعض، وسؤال بعضهم بعضًا عن الأحاديث والروايات - كما صنع الإمام مسلم، لما صنف كتابه «الصحيح» عرضه على علماء عصره، ليقولوا كلمتهم فيه -، مع ما حباهم الله عز وجل به من النظر، وقوة في البحث، وصدق في الرأي؛ إلا مظهر من مظاهر معرفة أقدار العلماء، واحترام اختصاصهم.

وما تجريح أئمة الحديث للمُصرِّ على الخطأ، وهو من بينوا له خطأه فيما يرويه،

فلم يرجع عن خطئه، ولم يُبال بنقد النقاد، وأقام على روايته له آنفًا من الرجوع عنه؛

إلا رسالة تهديد شديدة اللهجة لكل من تسول له نفسه أن يضرب بنقد النقاد عرض الحائط، ولا ينزله منزلته اللائقة به.

ومن هنا؛ تكمن ضرورة معرفة أقوال أئمة الحديث في الحكم على الأحاديث تصحيحًا وتعليلاً، والحكم على الرواة تجريحًا وتعديلاً، فهم مصابيح الدجى، وأعلام الهدى.

وأقوالهم، كثير منها مجموع في مظانه، فقد صنفوا في كل علم تصانيف جمعوا فيها الأحكام المتعلقة بهذا العلم، فعلم العلل ألفوا فيه كتب علل الحديث، وعلم الجرح والتعديل ألفوا فيه كتب الرجال، وهذه - بحمد الله تعالى - متوفرة متيسرة.

إلا أن كثيرًا من أقوال المحدثين قد ذكروها في غير مظانها، وأدخلوها في غير مواضعها الخاصة بها، فكان على من بعدهم ممن سار على نهجهم وضرب على منوالهم جمع أقوالهم تلك المتناثرة، ونظمها على مثل طرائقهم فتجمع أقوالهم في علل الأحاديث والجرح والتعديل على مثل طرائق المحدثين في جمع كل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير