وكذلك؛ ضعفه ابن عدي (3/ 1121 – 1122)، والعقيلى (2/ 135 – 136) والدارقطني، وابن الجوزي، والذهبي، وابن حجر.
حتى ابن حبان الذي أدخله في "ثقاته" (6/ 384) لم يسكت، بل قال: "وكان يخطئ".
ومثل هذا؛ كيف ينسب إلى ابن حبان توثيقه له بإطلاق، وهو قد صرح بأنه "وكان يخطئ".
ومن يخطئ على قلة رواياته فهو تالف، كما أشار إلى ذلك الإمام أبو زرعة الرازي، فهو لا يستحق أن يكون ثقة، ولا أن يحتج بحديثه، فكيف وقد صرح غير واحد من أهل العلم بأن أحاديثه تلك القليلة مناكير؟ بل كيف وابن معين والعقيلي وابن عدي والذهبي (2/ 209) قد أنكروا حديثه هذا بخصوصه؟!!
فهذا هو حال هذا الحديث عند أئمة الحديث، وهذا حال راويه، فأين هذا من صنيع الباحث، بل أين صنيعه هذا من قاعدته التى ابتدعها من قبل نفسه، ولم يوف بها ولا التزمها.
بل أين هذا من قاعدته الأخرى التى نص عليها أيضًا، فقال:" إذا كان في الإسناد راوٍ أو أكثر ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه غيره اعتبرته ضعيفًا "
وهذا لم يوثقه ابن حبان التوثيق المطلق بل أشار إلى مافيه من ضعف - كما سبق -، وضعفه سائر أهل العلم وأنكر بعضهم حديثه هذا بعينه؟!!
ومن قواعده التي ابتدعها أيضًا قال:
"إذا وجدت في الإسناد راويًا ـ أو أكثرـ، قال عنه ابن حجر: "مقبول"، ولم أجد من وثقه أو ضعفه، اعتبرته حسنًا".
وهذه أيضًا؛ من القواعد التى أخرجتها له الأرض من أفلاذ أكبادها؛ فقد صرح ابن حجر نفسه أن من يقول فيه: "مقبول" لا يكون محتجًا بانفراده، حتى يتابع.
قال في مقدمة "التقريب":
"من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، إليه الإشارة بلفظ: "مقبول" حيث يتابع، وإلا فلين الحديث".
فهذا النص من الحفاظ ابن حجر نفسه، يدل على أن من يقول فيه: "مقبول" لا يكون محتجًا به بانفراده، وإنما ذلك حيث يتابع، فإذا لم يتابع وبقي متفردًا كان حديثه لينًا؛ فأين
هذا من صنيع الباحث؟
ومع ذلك؛ فإن الباحث لا يلتزم هذا الذي اشترطه على نفسه أيضًا؛ ففى الحديث السابق ـ أعنى: حديث "رؤية الهلال"، ترجم الباحث لبعض رواته، وهو "بلال بن يحيى بن طلحة" ـ شيخ سليمان بن سفيان المدني ــ، فنقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال فيه: "لين"، ومع ذلك حسن الحديث!!
ويكفى هذا المثال هنا، وإلا فالأمثلة كثيرة، أرى من إضاعة الوقت الانشغال بها.
ومن هنا؛ ندرك أن هؤلاء الباحثين لا يحسنون إلا تزيين مقدمات الرسائل التى يسمونها (علمية)، وتحسينها، وإخراجها بصورة مبهرة، مهما اشتملت على تدليس وتلبيس، فالقارئ لها يتوهم أن تحت العمة فيلًا، وأن تحت القبة شيخًا!
أما جوهر الرسالة، فهو بمعزل عن مقدمتها، لا يربطهما سبب، ولا يوصلهما نسب.
فهذا هو مستوى هذه الرسائل، وهذا هو مستوى هؤلاء الطلبة، فهل يمكن أو يصح أن يعتمد عليهم وعلى أعمالهم؟ فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الأصول والاصطلاحات:
وحيث بأن لنا أهمية الرجوع إلى أئمة الحديث للتفقه بفقههم، والتفهم بمفهمهم، كان من الضرورى معرفة أصول الأئمة ومناهجهم واصطلاحاتهم.
فإن مذاهب النقاد للأحاديث غامضة دقيقة، فربما أعلَّ بعضهم حديثًا استنكره، بعلة غير قادحة في الأصل، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر، وحجتهم في هذا أن عدم القدح بتلك العلة مطلقًا، إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا، يغلب على ظن النقاد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذ لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هى السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجئ الخلل فيه من جهتها.
وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقيب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر.
من ذلك: أنه قد يعل بعض أهل العلم حديثًا بأن فلانًا دلسه، وقد لا يكون هذا الراوي معروفًا بالتدليس، وإنما يقصد ذلك العالم أن هذا الراوي وقع منه التدليس في هذا الحديث بعينه، وإن لم يكن معروفًا به.
من ذلك: أن الترمذي ذكر في "الجامع" حديث عمر بن على المقدمي، عن هشام بن عروةـ عن أبيه عن عائشة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان، ثم قال:
¥