تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحيث يقولون: "فلان لا يصلح للاعتبار" أو" فلان لا يعتبر به"، إنما يريدون تضعيفه الضعف الشديد، بحيث يكون حديثه غير صالح للاستشاهد، ولا للاعتضاد.

المعنى الثانى: أنهم يطلقون لفظة "الاعتبار" ويقصدون به الاختبار، بصرف النظر عن حال الراوي: هل ضعفه شديد أو ضعفه هين؟

فعلماء الحديث ــ عليهم رحمة الله ــ يكتبون أحاديث الرواة؛ لينظروا فيها، ثم يعرضوها على أحاديث الثقات، لينظروا: هل أحاديث هؤلاء الرواة مستقيمة، أم لا؟ فإن وجدوا أحاديثهم موافق لأحاديث الثقات أو غالبها، عرفوا أنهم ثقات، وبقدر مخالفتهم للثقات أو تفردهم عنهم بما ليس له أصل من أحاديثهم، بقدر ما يعرفون ضعف حفظ هؤلاء الرواة، وهذا يسمونه أيضًا بـ "الاعتبار".

بل أحيانًا يطلقون "الاعتبار" على أحاديث الرواة الذين ضعفهم ضعف شديد، بمعنى أنهم يكتبون أحاديثهم، ليعرفوها وليعرفوا ضعف رواتها، حتى إذا ما سئلوا عن هذه الأحاديث، أو عن هؤلاء الرواة، أجابوا بما يعرفون.

فإذا؛ "الاعتبار" ها هنا بمعنى: "المعرفة"، أو بمعنى "الاختبار"، اختبار أحاديث الراوي".

وإنما يميز ذلك بالسياق، كمثل ما جاء في "الإرشاد" للخليلي (1/ 177 - 187)، حيث قال بصدد حديثه عن بعض روايات الكذابين:

"وأن جماعة كذابين رووا عن أنس ولم يروه، كأبي هدبة إبراهيم بن هدبه، ودينار، وموسى الطويل، وخراش، وهذا وأمثاله لا يدخله الحفاظ في كتبهم، وإنما يكتبون اعتبارًا، ليميزوه عن الصحيح".

و"الاعتبار" هنا بمعنى "المعرفة"، لا "الاستشهاد".

ومن ذلك: قصة دخول الإمام أحمد بن حنبل على يحيى بن معين ــ عليهما رحمة الله ــ وهما بصنعاء، حيث كان ابن معين يكتب صحيفة أبان بن أبي عياش عن أنس، وهو يعلم أنها موضوعة، ليعرفها، حتى إذا جاء كذاب فجعل "ثابتا" مكان "أبان" يعرف ذلك ويميزه، وهى قصة مشهورة.

شرائط الكتب:

إن أئمة الحديث ــ عليهم رحمة الله تعالى ـ لم يصنفوا هذه الكتب الحديثية جزافًا، بل كل مصنف لهم لمصنفه فيه شرط التزمه، وغاية نشدها؛ فكان إخراج الحديث في مصنف ما، على وجه ما، كالإشارة من مصنفه إلى حال هذا الحديث عنده من حيث الصحة والضعف.

ومن هنا؛ ندرك الخطأ الذي يقع فيه بعض الباحثين؛ حيث يخرجون الحديث من كتب متعددة، غير ملتفتين إلى الفائدة التى أسداها إليهم صاحب الكتاب بإخراجه الحديث فيه.

فدلالة الاحتجاج بالحديث في "الصحيحين" على صحته، وتلقى العلماء له بالقبول؛ حيث لا يكون ثمة تعقب من بعض الحفاظ؛ لا ينبغي لا ينبغي أن تهمل، بل على الباحث الاستفادة من هذه الدلالة، وتلك الفائدة، فلا يعامل أحاديث "الصحيحين" معاملته لغيرها.

ودلالة إخراج الحديث في كتب الأصول، كـ "السنن الأربعة" و "الموطأ"

و "المسند" لأحمد ــ أيضًا ــ لا ينبغي إهمالها.

بل من أهل العلم من يرى أن من علامات ضعف الحديث خلو هذه الكتب منه.

وإخراج الحديث في ترجمة رواية المتفرد به في كتب الضعفاء مثل: "الكامل" لابن عدي، و"الضعفاء"، للعقيلي، و "المجروحين" لابن حبان؛ يدل على ضعف الرواية دلالة واضحة جلية؛ لأن هؤلاء الأئمة إنما يخرجون في ترجمة الراوي بعض أحاديثه المنكرة؛ ليستدلوا بذلك على ضعفه، فكانت هذه الأحاديث، من هذه الأوجه ـ خاصة مهما كانت متونها ثابتة من أوجه أخرى ـ، عند هؤلاء المصنفين غاية في النكارة؛ حيث إنهم لم يضعفوها فحسب، بل استدلوا على ضعف راويها المتفرد بها.

وقد قال ابن عدي في مقدمة كتابه: " .. وذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعف من أجله، أو يلحقه بروايته له اسم الضعف؛ لحاجة الناس إليها".

وقال الحافظ ابن حجر: "من عادة ابن عدي في "الكامل"، أن يخرج الأحاديث التى أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة".

وكثيرًا ما يتبرأ ابن حبان في "المجروحين" من تلك الأحاديث التى يخرجها في كتابة، ويصرح بأنه ما دفعه إلى إخراجها إلا الرغبة في بيان الضعفاء وبيان أحاديثهم المنكرة.

يقول في المقدمة: "إنما نملي أسامى من ضعف من المحدثين، وتكلم فيه الأئمة المرضيون .. ونذكر عند كل شيخ منهم من حديثه ما يستدل به على وهنه في روايته تلك".

ويقول أيضًا: "وإنى لا أحل أحد روى عنى هذه الأحاديث التى ذكرتها في الكتاب

إلا على سبيل الجرح في روايتها على حسب ما ذكرنا".

وكرر هذا المعنى في غير ما وضع من كتابه.

* * *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير