فهذه ضوابط كلية، لابد وأن يراعيها الباحث في الأحاديث عمومًا، وفى أى موضع تعرض فيه للحديث، سواء كان معلقًا على كتاب من كتب التراث، أو كان باحثًا في الحديث ومتعرضًا للحكم عليه غير متقيد بالتعليق على كتاب معين وسواء قصد في عمله الإسهاب والإطناب أو اكتفى بالإيجاز والاختصار.
إلا أن المعترض للأحاديث والحكم عليها حال كونه معلقًا على كتاب معين من كتب التراث ينبغي عليه أيضًا أن يراعي أمورًا أخرى، أرى من الضروري عدم إغفالها، وهذه الأمور يلاحظ الناظر في الأعمال التى نشرت لي، وهنا أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى هذه الأمور، وإلى طريقتي التى أتبعها في تخريج الأحاديث والحكم عليها في غضون تحقيق الأحاديث والحكم عليها في غضون تحقيق كتاب من كتب التراث، ليكون ذلك واضحًا لديه، سواء في عملى في هذا الكتاب أو في غيره من الكتب السابقة أو اللاحقة إن شاء الله تعالى.
وهذه الطريقة، أستطيع أن ألخصها في عدة نقاط:
الأولى:
أن التخريج لابد وأن يناسب موضوع الكتاب، فإذا كان الكتاب من كتب علل الحديث، برز في التخريج صناعة العلل والتوسع في النظر في الأسانيد وبيان ما فيها من اختلاف وغيره، سواء كان ذلك في الإسناد أو في المتن، وسواء كان ما في الإسناد منها مؤثرًا في المتن أم لا، وسواء كان ذلك خاصًا برواية بعينها، أم شاملاً أحاديث الباب؛ وهكذا.
والكتاب الذي يتناول جزئيات من علل الأحاديث، يكون تعليقي منصبًا على هذه الجزئيات، من غير توسع في دراسة بقية جزئيات البحث في هذه الأحاديث، إلا إذا كان لذلك ضرورة.
والتعليق على هذه الكتب وأمثالها، لابد وأن يراعى فيه إبراز الأسانيد واختلافها وأخطاء الرواة فيها أو في متونها، ولا يكتفى بالمتون وشواهدها؛ لأن هذه الكتب ليس من وظيفتها جمع المتون بقدر بيان الأسانيد ومخارجها وأخطاء الرواة فيها وفى متونها، فقد يكون المتن محفوظًا لكنه بهذا الإسناد خاصة غير محفوظ.
وهذا المسلك واضح جدًا في تعليقي على كتاب "المنتخب من العلل للخلال" فالكتاب عبارة عن أسئلة سئل عنها الأمام أحمد، تتعلق ببعض جزئيات علل الأحاديث، فأجاب رحمه الله بما يكون فيه جواب عن هذه الأسئلة الجزئية فكان من المناسب أن تكون تعليقاتي على هذه المواضع في نفس موضوعها من غير خروج عن المقصود، فليس كل فائدة توضع في كل موضع، وإنما لكل مقام مقال.
ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نشيد بتعليقات الدكتور/ محفوظ الرحمن زين الله رحمه الله على "مسند البزار" و "العلل" للدارقطني، فهو لا يذكر في تعليقاته كل الأسانيد المتعلقة بمتن الحديث، وإنما يبرز الإسناد أو الوجه الذي تناوله المؤلف في كلامه، وربما ذكر ما يفيد هذا الوجه من حديث الإعلال، فجاءت تعليقاته كما ينبغي، وكما ينتظر الباحث في هذه الكتب وأمثالها.
وأيضًا؛ إذا كنت بصدد التعليق على كتب من كتب علوم الحديث ومصطلحه، وبطبيعة الحال فإن هذه الكتب تشتمل على أحاديث، يسوقها مؤلفوها للتمثيل على هذه الأنواع الحديثية التى تشتمل عليها هذه الكتب، فإن تعليقي على هذه الكتب ينصب على خدمة الجانب الاصطلاحى والتقعيدي الذي هو موضوع هذه الكتب، فلا أشتعل ـ ولا أشغل القارئ معى ــ بتخريج هذه الأحاديث وعزوها إلى مصادرها، بقدر ما أشغله بإبراز محل الشاهد من هذا المثال أو ذاك، أو بمدى صلاحية هذا المثال لهذا النوع من عدم صلاحيته، أو بإبراز أمثلة أخرى توضح المسألة، وما شابه ذلك.
وهذا واضح جدًا في عملى في كتاب "تدريب الراوي" فتراني في الأعم الأغلب أكتفي بعزو الأحاديث إلى من أخرجها من دون الحكم عليها بصحة أو ضعف، إذ ليس ذكر الأحاديث في هذا الكتاب الغرض منه بيان صحيحها من ضعيفها، وإنما الغرض التمثيل بها على أنواع الأحاديث التى هى موضوع الكتاب.
ولذا؛ قد أتوسع في التعليق على بعض الأحاديث دون بعض حيث يكون هناك داع إلى التوسع بما يخدم الغرض الذي من أجله سيق الحديث في الكتاب، وليس لمجرد الانتفاء، أو لما يعتري الإنسان من نشاط وفتور.
فقد يقع في الكتاب حديث قد مثل به على نوع من أنواع الحديث، ثم يترجح لدى عدم صلاحية هذا المثال لهذا النوع، فترانى أتوسع في الكلام على الحديث وأسانيده بما يوضح ما أذهب إليه من عدم صلاحيته كمثال لهذا النوع، وليس لمجرد تميز الحديث إن كان صحيحًا أو ضعيفًا.
¥