تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من ذلك: حديث: "شيبتني هود وأخواتها" فقد حكم عليه بعض أهل العلم بالاضطراب، وجعله مثالاً للحديث المضطرب، ولما نظرت في طرقه وأسانيده، وجدت الحديث غير صالح لهذا النوع، لأنه لم تتحقق فيه صفته ولا شروطه، فكان لزامًا عليَّ بيان ذلك، ولا يكون إلا بالتوسع في سوق طرقه وبيان ما فيها من علل، مستعينًا على ذلك بأقوال أهل العلم عليها، وهى طرق كثيرة، فجاء بحثي في نحو عشر صفحات، انفصلنا فيه عن كون الحديث الراجح فيه الإرسال، وليس هو من المضطرب بمعناه الاصطلاحي.

وليس من شك أنه بحث طويل وتعليق كبير إذا ما قورن بطريقتي في التعليق على عامة الكتاب، والسبب ــ كما سبق ــ هو قناعى بحاجة هذا الموضع إلى الإسهاب والإطناب، دون غيره، وليس غير ذلك من الأسباب التى قد يتوهمها البعض.

الثانية:

أن التخريج لابد وأن يناسب طبيعة سوق المؤلف صاحب الكتاب المعلق عليه لهذه الأحاديث، فما ساقه مساق الاحتجاج يختلف عما ساقه مساق الاستشهاد والاعتضاد، وما ساقه محتجًا به في العقائد والأحكام يختلف عما ساقه في فضائل الأعمال، فقد جرت عادة العلماء بالتساهل في هذا الأخير، ما لم يكن موضوعًا أو منكرًا أو ساقطًا.

وعلى ضوء هذا:

فإن وجدت صاحب الكتاب قد فرغ من إثبات الحكم بأدلته الشرعية من القرآن

أو السنة الصحيحة أو الإجماع، ثم رأيته توسع في سوق أحاديث تعضد ما ذهب إليه وأثبته، وكانت هذه الأحاديث فيها من الضعف ما فيها؛ فإننى عادة لا أتوسع في تخريجها أو في

ذكر عللها؛ لأن المؤلف لا يعتمد عليها، وإنما هو فقط يستشهد بها، ومعلوم أن باب

الاستشهاد يتسامح فيه ما لا يتسامح في الأصول، وقد أشير إلى ما في إسنادها من ضعف

إشارة سريعة، بقولى مثلا: "إسناده ضعيف"، أو بأن أذكر بعض أقوال أهل العلم التى تفيد هذا.

وهذه عادة أهل العلم؛ فإنهم إذا ما ساقوا الحديث مساق الاستشهاد، فغالبًا ما يسكتون عن علته، بناء على أن معناه مؤيد بأدلة أخرى، وقد يكونون إنما ساقوا مثل هذه الروايات من باب حشد الأدلة لا غير.

وهذا يظهر في تعليقى على كتاب "فتح البارى" لابن رجب، وأيضًا "سبل السلام" للصنعاني.

على أن في هذين الكتابين أمرين آخرين أحب أن أبرزهما:

الأول: وهو أن هذين الإمامين كثيرًا ما يحكمان على الأحاديث، سواء بحكمهما الخاص، أو بالنقل عن غيرهما من أهل العلم، فحينئذ لا أجدني في حاجة إلى ذكر أقوال أهل العلم، اللهم إلا إشارة، كأن أشير إلى كتاب من كتب التخريج أو العلل توسع في دراسة طرق هذا الحديث، وإلا اكتفيت بعزو الحديث إلى مخرجيه.

فلا تجدنى ــ إن شاء الله تعالى ــ أذكر في التعليق شيئًا قد سبقني صاحب الكتاب

إلى ذكره أو أنقل شيئًا عن أهل العلم قد سبقني هو إلى نقله، اللهم إلا أن يقع ذلك سهوًا أو نسيانًا، أو يكون صاحب الكتاب قد اختصره، وأتيت أنا به تمامًا، حيث كان في تمامه فائدة.

الثاني: أنني سلكت في هذين الكتابين مسلك خدمة الكتاب لا خدمة العلم، بمعنى أنني جعلت عملي فيهما منحصرًا في ضبط الكتابين وتصحيحهما، مع عزو أحاديثهما إلى مخرجيها، وكذلك ما استطعت الرجوع إلى مصدره من النصوص والأقوال التى تضمنها الكتابان؛ فهذه خدمة للكتاب نفسه، وليست خدمة للعلم عامة.

لقد أردت أن يكون عملي في مثل هذه الكتب للمسلمين كلهم، وليس لطائفة دون طائفة، ولا لفئة دون فئة، فأنكرت ذاتي، فلم أجعل نفسى حائلاً بين القارئ والكتاب، ولم أفرض رأيي، بل جعلت الكتاب بين يدي القارئ مصححًا مضبوطًا مخدومًا بتوثيق مادته والاكتفاء بالتنبيه على ما لابد من التنبيه عليه.

وهذا هو المسلك نفسه الذي سلكته في تحقيق كتاب الطبرانى "المعجم الأوسط"، وهو نفسه الذي أسلكه في عامة الكتب الكبيرة والتى لا يناسبها كثرة الحواشي، والتوسع

فى التعليق.

وهو نفسه المسلك الذي سلكته في تحقيق "نيل الأوطار" وإن كنت قد توسعت في بعض المواضع حيث دعت الضرورة إلى ذلك، على نحو ما سبق بيانه.

الثالثة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير