وهم في هذا الفعل ادعوا نقصاً في الاسلام من حيث لا يشعرون، إذ كيف يهمل هذا الدين الكامل الذي أكمله الله وأتم علينا به النعمة موضوعا في مثل هذه الأهمية، والافتقار إليه عظيم، والحاجة إليه ملحة، ولو اقتصروا على ذلك لهان الأمر، ولكنهم عمدوا إلى التوراة والانجيل لإكمال هذا النقص الذي وجدوه في الدين، فوفقوا في هذا التوجه، ووجدوا في ما نشدوا بغيتهم – زعموا -.
وهذا هو أصل الخطأ الذي وقعوا فيه، وهو تجاوزهم الكتاب الحكيم إلى الكتب المحرفة لتحقيق هذا الغرض البدعي.
ورحم الله الإمام البخاري إذ يقول: لا أعلم شيئا يحتاجه المسلم إلا وفي الكتاب والسنة خبر عنه، فقال له وراقه محمد بن أبي حاتم: يمكن معرفة ذلك كله؟ قال: نعم.
فلو كان تكلف هذه التآريخ حاجة إسلامية لوجده الباحث في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، ولكنه لم يجد فيهما حاجته، لأنه لو نظر فيهما لوجد ما يحجمه عن مثل هذا التهور العلمي، إذ أن حقائق الكتاب وآياته ناطقة بالنهي عن تكلف مثل هذه الأمور، وإليك أدلة ذلك:
أولا: ثمت أصل عام تندرج تحته هذه المسألة، وهو قوله عز وجل (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله وما يشعرون أيان يبعثون)
وهذه حقيقة من مسلمات التوحيد، وقد جاء التأكيد عليها في القرآن الكريم مقترنا بأمور الآخرة ونهاية الكون، لاحظ ختم الآية السابقة بقوله (وما يشعرون أيان يبعثون) فكأن الآية رد على من رام معرفة حيثيات المستقبل المجهول المتعلق بأمور الآخرة وأشراط الساعة، فأجابه الكتاب: إن الغيب لله ولن تدري متى تبعث.
ثانيا: كما ذكرت أولا تتطلع النفوس إلى معرفة وقت هذه الأحداث الرهيبة، وعلى رأس هذه الأحداث قيام الساعة، ولكن القرآن يأتي دائما ليرد هذا التطلع إلى ما ينفع الناس، وليحوره في مصلحة العباد، قال تعالى (يسألونك عن الساعة أيان مرساها، فيم أنت من ذكراها، إلى ربك منتهاها، إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)
فسؤالهم عن الساعة هو عن وقتها كما تفيده: أيان، إذ أنها سؤال عن الحين أي الوقت، ولكن الله عز وجل بين لنبيه أن منتهى علم الساعة وما يسبقها وما يتبعها إليه سبحانه وتعالى، وبين أنه ما أرسل نبيه ليخوض في ذلك إنما أرسله لينذر من يخشاها، ثم ختم الآيات بموعظة رهيبة، يزجر بها عن السؤال عن وقتها، ويخوف من قيامها، فقال (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)، وهذا مثل قوله تعالى (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت .. ) الآية.
هكذا داوى القرآن الحكيم هذا التطلع في نفوس الناس، كي يحافظ على الحكمة من إخفاء الساعة وأشراطها، وقد تكرر السؤال منهم عن وقت الساعة، وفي كل ذلك يصرفهم الله عز وجل عن تطلب وقتها إلى الاتعاظ منها، كما في قوله (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
وهكذا أيها القارئ الكريم ثقل أمر الساعة في السماوات والأرض أن يعرف مخلوق وقتها وقيامها، ولو كان نبيا مرسلا، ولو كان ملكا مقربا، لأن الله أخفى ذلك عنهم، فلم يطلع عليه أحدا منهم (لا تأتيكم إلا بغتة) أي تفجئ الناس وتبغتهم، فتحل منهم على غير موقع، وتنزل على غير ميعاد، فليعلم طلاب الغيب أن تواريخهم كلها تكذبها هذه الآية، وتقطع شروشها لو كانوا يعقلون.
ولكن الناس بعد كل هذا الجلاء سيلحفون في السؤال عن الساعة، وسيسألون النبي صلى الله عليه وسلم كأنه حفي عنها، فقل: إنما الغيب عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون، قال ابن جرير: معناه لا علم للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولا علم به إلا عند الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله، بل يحسبون أن علم ذلك يوجد عند بعض خلقه، يعني فلذلك يتطلبونه ويتكلفونه.
¥