والعجيب أن بعض الناس حاول استقراء عمر أمة الإسلام من هذه الأحاديث وشبهها، بدراسة نسبية يستخلص منها نسبة الفضل بين السبابة والوسطى، أو نسبة وقت العصر إلى غروب الشمس مع ما قبلها من الأوقات على ما ورد في الحديث، وليس هذا مقصوده صلى الله عليه وسلم فما كان ليخالف ما أمره الله به إذ يقول له (قل إنما علمها عند الله وإنما أنا نذير مبين) وهذه الآثار ونحوها إنما تتكلم عن قرب مبهم،لا يعلم حقيقته إلا الله.
ونحن نعلم أن الأنبياء - نوحا فمن بعده - حذروا أممهم من الدجال وهو من أشراط الساعة، ولو لم يكن في ما أوحى الله إليهم قرب الساعة لما رأوا من الحكمة في شيء تحذير أممهم أمرا لن يدركوه.
وفي الخطاب الرباني الأول إلى موسى عليه السلام (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) فهل ترى قربا أشد من أن يعبر عن إتيانها بفعل المضي؟ وكل نبي بالنسبة إلى من قبله هو من علامات قرب الساعة، حتى كان نبينا صلى الله عليه وسلم مسابقا للساعة.
قال أبو حاتم بن حبان: يشبه أن يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين أراد به أني بعثت أنا والساعة كالسبابة والوسطى من غير أن يكون بيننا نبي آخر لأني آخر الأنبياء وعلى أمتي تقوم الساعة أهـ
ولكن الناس من قرب الساعة على موقفين سجلهما الكتاب العزيز:
الأول: موقف أهل الإيمان والتصديق، وهو الإشفاق من وقوعها، والوجل من مجيئها، لا يهمهم موعدها ولا ينشغلون به، بقدر ما يهمهم ما قص الله ورسوله عليهم من أهوال تقع فيها، وصفها الكتاب العزيز بالأمور العظيمة، في قوله: إن زلزلة الساعة شيء عظيم.
الثاني: موقف أهل الريب والشك، والتطفل والاستطلاع، ينظرون إلى وقوعها بلهف، نظر المرتقب للجديد، المتلهف لما لا يعلم، قد اشرأبت أعناقهم، وكادت عيونهم تخرج من أحداقهم، في انتظار هذا الغائب الغريب، لا خوفا ووجلا، بل تحمضا وسمرا.
قال تعالى (الله الذي أنزل الكتاب لاحق والميزان، وما يدريك لعل الساعة قريب، يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق، ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد)
قال الإمام العالم سفيان بن عيينة: كل شيء في القرآن وما يدريك فلم يخبر به – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – وما كان ما أدراك به فقد أخبر به.
ـ[احمد بن فارس السلوم]ــــــــ[22 - 04 - 05, 11:30 م]ـ
3 - سنة يهودية لا سنة سلفية:
ومما يستند إليه من أعلّ من هذا المورد التطفلي في إثبات صحة هذا التوجه البدعي في الكشف عن المغيبات: أنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف الأول، ويسندون ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهو إما مروي عنه وعن غيره بإسناد في غاية الضعف والوهاء، أو أنه نقله بعض التابعين ممن يستجيز الرواية عن الأحبار دون تمحيص أو إنعام نظر في ما يروي، وقد وجد من التابعين من أكثر من رواية الاسرائيليات حتى اشتهر بها، بل لا يكاد يخلو مفسر منهم من ذلك، بل قد اشتهر أيضا عن الصاحب الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص الرواية عن بني إسرائيل، وكان أصاب يوم اليرموك غرارتين – أي زاملتين - فيهما كتب بني إسرائيل، فكان يكثر من التحديث عنهما، فربما سئم منه جليسه ذلك وقال له: حدثنا عن رسول الله ولا تحدثنا عن الغرارتين!
من تلك الآثار - وقد استفتح بها السيوطي رسالته: الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف - حديث موضوع طويل عن أبي هريرة رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وموضع الشاهد منه قوله: إن أطول الموحدين مكثا في النار من يمكث فيها مثل الدنيا يوم خلقت إلى يوم أفنيت وذلك سبعة آلاف سنة .. ، وحديث آخر رواه ابن عساكر في التاريخ عن أنس: من قضى حاجة المسلم في الله كتب الله له عمر الدنيا سبعة الآف سنة صام نهاره وقام ليله، ولو لم يكن في إسناد كل واحد منهما إما مجهول أو وضاع لعلم ضعف هذه الآثار من ركة أسلوبها وتطامنها عن مستوى الخطاب النبوي، وقد ذكر السيوطي في أول جامعه أن كل حديث يتفرد به الحكيم الترمذي أو ابن عساكر فهو ضعيف، فما باله خالف إلى ما نهى عنه واستدل بأحاديث ضعيفة؟
¥