تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و أسوأ ما يكون الغدر - و أفظعه، و أبهظه - ان كان الغادر ممن يحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما رواه البخاري في صحيحه: (لكل غادر لواء).

و أسوأ أسوا الغدر - و أنكاه، و أشد نذالة، و أخبثه - حين يكون ألغادرك به، من لم ليكون له مستقر في أرض، يحرص بجدع أنفه أن يكون له فيها ذلك المستقر؛ لولاك أيها الذاهب باحسانك اليه في ضيعة غربة هي نفسها غربة المسلم! و غربة المسلم غربتان: غربة في الدين، و غربة في الأرض، و قد يجتمعان في آن معا.

و ليس يحسن بمسلم صانع معروفا أن يذكر صنيعه؛ لكن اذا قام السبب لذكره فلا بأس بأن يذكر؛ اما تحدثا بنعمة الله عليه و اما تذكيرا لمن صنع له المعروف ان واحدا صنع له يوما معروفا، لعله يؤوب عن غدره، و يعتب على نفسه أنها نسيت ذلك الصنيع.

و الأوب عن الغدر الى الوفاء هو شئ من الوفاء، حتى لو بقي مقيما على غدره زمانا، فكان أوبه على رروية و أناة، و لا يحمهله على الأوب الا تذكره ألوفاء بشيء من دين، يذكره حق الصنيع عليه لصانعه، أو كان له نسب يوثقه الى شئ من خلال الخير، يفرضها عليه أصالة النسب، و لكن ماذا يقال، أو على الأقل ماذا يمكن أن يقال في رجل اتخذ الدين لباسا، و رآه الناس به على أحسن هيأة، أو تجمل بالعلم ليحصل في نفوس الناس به منزلة، أو كان من الذين لهم خبلرة و دربة في امتطاء أحلاس المنابر، أو كان له امامة في العلم؛ يظن بها بها على العبد أنه على شئ من الوفاء لمن أكفأ احسانه عليه كفيا، حتى اذا ما كان الناظره على غلوة سهم منه رآه فظا، لا يرى لأحد حقا من الوفاء، الا أن يكون كل أحد وفيا له، و يكفى الأوفياء منه غض عن خطأ يقع فيه أحدهم، أو بسمة تتدلى في استرخاء على شفتيه خصه بها، أو نظرة لاهفة يؤذن بها للواحد فيهم -عن بعد أو قرب - تكتحل منها عيناه؛ فيفرح فرحا ينسيه الكثير من أحزانه، و كفى به و فاء!!

و ليس على صانع المعروف أن يحزن، أو أن ييئس، أو أن يقنط من صنائع المعروف، حين لا تجد صنائعه تلك مكانا يؤويها في أكناف من يصنع له المعروف اليهم. لكن؛ و يعلم الله أنه ما من ألم يسهد الانسان، و لا من بلاء يحط على صدره، و لا من هم لا يرقأمعه دمع بأشد من ألم جحود المعروف، و نسيان الاحسان، فكيف اذا جمع اليه الاساءة الى الصانع؟! ثم يتبعه زيادة في الجحود، و امعانا فيه؛ اذ ينسب ما أدركه من نعمة على يدي ألصانعه، الى غيره،ثم ما يكون منه أيضا من تحدثه - بنعمة الله عليه - (ما أكذبه!) - ان ما أصابه من نعمة على يد فلان، أي: غير الذي كان أحسن اليه، (و فلان هذا ما يقلي شيئا كالمعروف و صانعيه)!!

و اني على كثرة ما جربت من جحود في الناس، و ما ألفيت منهم من انكار لصنائع المعروف، و تبسل في وجوههم صدهم -في غير حياء و لا خلق - حتى عن التخلق ببعض طباع الكلاب!!! ما رأيت من كنود المعروف، و جحود صنائع الخير و الاحسان أخلق، و لا أليق ببعض أهل العلم -كبارا و صغارا- و بعض الدعاة، و الكتاب، -الذين بحت أصواتهم، و ذابت أقلامهم، و هم ينادون الناس بأعلى أصواتهم، و يكتبون لهم في بكور و عشي - زاعمين أنهم على منهاج الكتاب و السنة!!

هذا - و لا ريب - ان دل فانما يدل على على ما يدل عليهم فيهم، يعرفونه أو ينكرونه، يقرون به أو يجحدونه، يتقدمون اليه أو يتأخرون عنه.و اقسم بالله: انهم ليعرفونه، و يقرون به، و يتقدمون اليه سراعا!!!

و ان قالو غيره، فقد أتو اثما مبينا، و انتهبو بهتانا عظيما، و صاروا الي فلاة ضاحية متلهبة بما قالو، و لو أنهم سكتوا لكان خيرا لهم و أقوم، و أسلم عاقبة ..... و لكن .... انا لله و انا اليه راجعون.

و يكاد المرء كلما أبصر بواحد من أولئك يخجل أن رآه، لأن معروفه اليه لم يصادف مكانه، فكان أشبه بذنب أتاه!! حيث لم يقدر باحكام نظر، و سداد رؤية مكان معروفه، و كان حقا عليه أن يوسع دائرة تقديره، لستظهر أمرا ما كان ينبغي أن يفوته، فيضع به معروفه فيمن لا يضيع عنده، و لا يخطئه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير