تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و حيال هذا، لم يجب أن يقر المرء لا بعجزه فحسب، بل باسرافه في حسن الظن بالناس، و انخداعه بهم. لكن يعزيه في هذا أنه مسبوق اليه، و ممن؟! من عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، و أين هو من واحد من مثل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؟! الذي كان يقول: من تخدعنا بالله خدعنا به.

و اذا كان أسبق الناس الى الجنة البله، فليكن صاحبنا - و أرجوا له ذلك - أن يكون أحدهم، و البله هؤلاء ليسوا -كما يتبادر الى الذهن - من تندت درجة الذكاء عندهم، حتى عمي عليهم وجه الصواب في الأشياء و الأحوال، فلربما كانوا على درجة فائقة في الذكاء، بل اولئك الذين غلبت عليهم السعادة، فأنستهم حظوظ دنياهم بذكر الآخرة و أحوالها، و ما يرون من نعيم لا ينال الا بامتثال أوامر الله و اجتناب نواهيه.

فكانوا الأذكياء الفطناء ببلاهتهم،لأنهم به كانوا هم الناجين.

فليهنأ اذا البله (بضم الباء و تسكين اللام)،و ليحذروا أن يدعوا بلاهتهم لغيرهم، أو أن يتخلوا عنها لمن لا يكون خليقا بها، فهي كنز لا يفنى، و ثوب عز لا يبلى.

و الغدر ضرب من ضروب الظلم،و صورة من صوره،و شكل من أشكاله، اذا اصاب الانسان منه؛ اذا أصاب عين الظلم،و طاف به طائف منه يزين له ما تهفو اليه نفوس اللكعاء، و يدني منه ما تستطيبه نفوي اللؤماء، و يحبب له ما تعشقه نفوس الأدنياء.

و الغادر - بغدره - يظلم أول ما يظلم نفسه، لأنه يخرج به عن مقتضى العدل، و العدل يقضى أن يقضي أن يعطي الناس ما يحبون، و أن يمنع عنهم ما يكرهون، و أن يسألهم ما لو سألوه أجابهم اليه،و أن يقضيهم الحق الذي لو سئله لما تردد في مد يده اليهم به.

و ليس من الغلو أن يقال: ان الغدر دثار النقائض كلها، ما ظهر منها و ما بطن، ما جل منها و ما دق، و ما علا منها و ما سفل، فأيما امرئ أصاب نقيضه، فصارت مع الأيام خلة فيه فقد أفضى الى الغدر، أنال نفسه من ثمالته، ما أنالها من دهقته.

و ليس يجمل بمن أوفى بعهده مع الله، و قد أخذ منه الميثاق، أن يلامس أطراف الوفاء بأنقاض بغدر، أو أن يلم بسبب من الأسباب المفضية اليه، كيلا يصيب من نفسه هو بنفسه ما كان يكره أن يثلم به العهد الذي أوفى به.

و احال الغدر قد صار في الناس طبعا جبليا يتوارثونه واحدا عن و احد، و جيلا عن جيل، و قرنا عن قرن، أو فكرة علمية ينشدها الناس، خاصتهم قبل عامتهم، و عالمهم قبل جاهلهم، و ذكرهم قبل أنثاهم، و لسان حالهم يقول: (و في ذلك فليتنافس المتنافسون).

و العجب ينتاب المرء من كل أقطاره و هو يبصر بالوفاء حزينا كئيبا، كاسفا باله، بالغدر مسرورا مختالا يملأ أعطافه كبر متمرد على أنبل الاخلاق و أشرفها و أرفعها قدرا لكن العجب يخف و يخف، حين يستذكر المرء أن الفضيلة لا تعرف الا بضدها!

نقل أبو عبدالله محمود غسان محمود غنام المرداوي

ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[26 - 05 - 09, 11:38 م]ـ

................................................

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير