تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وصارت روابط العرق أو البلد أو الإقليم أو الحزب وعلاقة الشيخ بالتلميذ تدفع حتى بعضاً من المهتمين بالشأن الإسلامي إلى العمى عن رؤية الحق، ومن ثم العدوان على المخالفين.

ولعل أظهر ما يدل على ذلك أن بعض المسائل الفقهية التي قوي فيها الخلاف؛ بل ثبت فيها الأخذ بالقولين من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة والعلماء من بعدهم ترى في بعض الأزمنة أو الأمكنة عدواناً مبينا على المخالف فيها؛ فتُساء به النيات، وتذهب فيه الظنون كل مذهب، ثم لا ترى وصفاً مؤثراً لهذا العدوان إلا مخالفة السائد في هذا المكان أو ذلك الزمان.

وتظهر آثار الهوى في مظاهر منها: عدم العناية بتأصيل المسائل التي قد تخالف سائداً، وكراهة بحثها، خشية من الوصول إلى نتائج لها تبعات. ومنها: أنك تراه إذا حط أحد على مبغض له لم يدافع عنه بطلب محاسنه؛ بل تظهر منه علامة الإعجاب والرضا. وإن حط أحد على محبوب بدا غضبه، وثارت ثائرته. ومنها حياؤه من عرض طروحات صحيحة يقول أو يعمل بها فريق، أو تيار آخر

2 - أن يكون مقصود المخالفة براءة الذمة بالبيان للأمة:

ينطوي قلب المؤمن على نية حسنة وسريرة صافية؛ فهو لا يريد من مخالفته لأحد إلا تعظيم الحق والبحث عن الحقيقة، ولا غرض له فيما سوى ذلك؛ كتقديس النفس أو الهوية أو الانتصار لهما، ومتى علم الله ذلك منه حصل له من القبول ومحبة الخلق وانتفاعهم به ما يرفع الله به قدره، ويخلد به ذِكْره.

وقد تشوهت هذه المعاني السامية عند بعض الناس؛ فحل محل الإخلاص: الرياء والتصنع، ومحل الحرص على الهداية: محبة النفس والدوران حول الذات وتعظيم الهوية الترابية من بلد أو عرق أو حزب أو عادة ومألوف.

فأصبح النزاع والخلاف المعلن لله وهو في الحقيقة بين الذوات، أو الهويات المختلفة؛ فما أعظم الذنب وأكبر المصيبة إذا جعل المخالف تعظيم الله لافتة يخفي تحتها أخس المعاني الترابية.

وإذا بلغ الأمر هذا الحد فلا تسأل عن الفوضى العلمية، ولا عن التدابر والعدوان على المخالفين من كل فريق.

قال في "الاستغاثة" (1/ 380) ( .. أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العدل والإيمان والرحمة؛ فيعلمون الحق الذين يكونون به موافقين للسنة، سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم .. ويرحمون الخلق؛ فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر ابتداءً؛ بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق

3 - أن يحرص على الانتفاع من المخالف:

من أعظم أسباب تأبي الحق على القلوب الكبرُ، وإشعار المرء نفسه أو الآخرين بأنه إنما بُعث إليهم هادياً لا يقبل مع ذلك توجيها أو تصحيحاً من أحد، وأن على الناس الاستماع إلى قوله وتوجيهاته ونصائحه.

وأكمل الأحوال أن يوطن المرء نفسه للانتفاع من المخالف مهما كانت ديانته وجنسه، وأن يعلم أن هذا من أظهر علامات حسن قصده من إظهار الخلاف.

وهذا يوطن لأمرين مهمين:

الأول: تهيئة النفس لقبول الحق؛ فزوال الكبر سبب من أسباب ذلك.

والثاني: التواضع للخلق، وهذا يبعثهم على الاستماع إليك في حال من الطمأنينة والأمان؛ لأن المخالف قد سل سخيمة نفسه، ورفع حالة التوتر والاحتقان التي يشعر بها بسبب مخالفتنا، أو بسبب ما يراه من علوية البعض بأنه ما خالف أو ناظر إلا لإهداء ما عنده من الحق.

وبعض المسائل وإن كانت قطعية ظاهرة والشك فيها قد يكون كفراً إلا أن إظهار التنَزل الجدلي طريق صحيح لإزالة التوتر؛ فالله عز سبحانه وتعالى قد قال: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"، ويقول تعالى: "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة"؛ فما الذي يدعو إلى التفكر مع كون القضية قطعية إلا توطين نفس المخالف على قبول الحق.

وعن قتيلة بنت صيفي الجهنية قالت أتى حبر من الأحبار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون! قال: سبحان الله! وما ذاك؟ قال: تقولون إذا حلفتم: والكعبة. قالت: فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: "فمن حلف فليحلف برب الكعبة". قال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا! قال: سبحان الله وما ذاك؟ قال تقولون: ما شاء الله وشئت. قالت: فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: "فمن قال ما شاء الله فليقل معها ثم شئت".

فقد سمع صلى الله عليه وسلم من اليهود في أمور عقدية، ولم يأنف أن يقول به حين وافق الحق.

4 - أن يحرص على انتفاع المخالف لا ظهور القول، أو معقد الهوية:فيكون الباعث على المخالفة، أو مجادلة المخالف هو انتفاعه بما تراه من الحق؛ لا أن يكون القصد إرغامَه وإظهارَ خطئه عند الناس.

يتبع بإذن الله تعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير