تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[06 - 06 - 09, 09:15 ص]ـ

ثانيا:قواعد العلم واليقين:

ما وقع عدوان على مخالف إلا كان أكثر أسبابه جهل المعتدي فيما يتكلم فيه، أو جهله بكيفية التعامل مع المخالف في مثل هذا الخلاف

فمن أراد أن يعرف أثر العلم في كل شيء، ومنه التعامل مع المخالف؛ فلينظر إلى أثر الجهل: إنه وضع الشيء في غير موضعه، وهو الجمع بين المفترقات والتفريق بين المتماثلات، وإعطاء الشيء حكماً مبنياً على الوهم والشك، أو العصبية وإظهار الغلبة.

فمن قواعد العلم:

1 - أن يحقق المسائل

فالاكتفاء في مثل هذه القضايا بالثقافة العامة والمطالعات السريعة، والبناء على ذلك في نتائج نظرها إنما هو نوع من اعتبار الجهل والظن.

فلا تبرأ ذمة العالم إلا بإمعان النظر فيها، وتحقيق القول في مآخذها وقواعدها.

والمسائل العلمية المتعلقة بالحكم على أي شيء، ومنه الحكم على المخالف تمر بمراحل هي:

تخريج المناط؛ وهو استخراج ما يحتمل أن يكون علة للحكم ومقصدا له، وما يتبعه من تنقيح المناط، وما ينتجه ذلك من حكم المجتهد في المسألة بكونها كفراً أو فسقاً أو بدعة؛ كقوله بعد الاجتهاد: إن الحكم بغير ما أنزل الله على وجه التشريع العام كفر أكبر مخرج من الملة.

تحقيق المناط، وهو إنزال الحكم على الواقعة الجديدة؛ كقوله بأن قانون تشريع إباحة الربا في الحالة المعين هو هذا الكفر.

التحقق والتثبت من أن الذي نتعامل معه قد قال أو فعل ما يوجب أو يجيز عقوبته؛ فكثير من الناس يبني على مجرد الإشاعة، أو على ما يقال في وسائل الإعلام، وعلى النقل الذي يتغير عند الشخص الواحد أكثر من مرة؛ فكيف عند طول السلسلة.

التحقق من قيام الحجة التي يكفر منكرها، ووجود الشروط وانتفاء الموانع.

وصف الفاعل بآثار فعل المخالفة؛ بأن يقال عن شخصه: إنه كافر أو فاسق أو مبتدع.

إظهار هذه الأحكام أو إخفاؤها بالنظر إلى المصالح والمفاسد، واختلاف الأزمنة والأمكنة، واختلاف الأشخاص الحاكمين والمحكوم عليهم.

2 - أن ينبذ التقليد:

فليس من العدل ولا من العلم أن يقلد المرء غيره في الحكم على الآخرين، وما يترتب عليه من التعامل معهم بهجر أو تنفير أو عقوبة، أو الحكم على أحد بكفر أو فسوق أو بدعة؛ فما كان قطعياً فلا تقليد فيه لظهوره، وما كان محل اجتهاد أهل العلم، أو مشكوكاً فيه لم يجز لأحد أن يخرج من المقطوع به، وهو حرمة عرض المسلم، ولزوم وفائه جميع حقوقه بأمر مشكوك فيه لا يعرف وجهه ولا دليله، والعالم المستدل فيما يختار من أقوال، وفي مواقفه: يجد ما يُخرجه من العهدة، ويبرئ به الذمة، ولكن ما الذي يُخرج المقلد؟

والتقليد إنما أُبيح على خلاف الأصل، وهو وجوب النظر والاستدلال أُبيح لدفع حاجة أو ضرورة في عبادة أو معاملة؛ فما هي الضرورة والحاجة في الحكم على الآخرين بحكم، أو معاملتهم بما يُخشى معه بخس أعظم حقوقهم؟

3 - أن يتثبت ويتبين:

يقع الظلم والعدوان على المخالف بسبب العجلة وأخذ الكلام من مصادر غير معتبرة؛ إما في ورعها، وإما في ضبطها وحسن فهمها، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".

•نماذج لأحكام لم يحقق الكلام فيها، واعتدي فيها بسبب ذلك على المخالف:

1 - التفريق في التعامل مع المخالف بين مسائل الفروع والأصول:

جعل بعضهم الفروع والأصول، أو العقائد والفقهيات هي المفرق لما يسوغ فيه الخلاف، وما لا يسوغ، وبنوا على ذلك أحكاما في التكفير، بل واستحلال عقوبته، أو حتى قتله.

وهذا التفريق بدعة أحدثها المخالفون لأهل السنة، وجعلوها سيفاً مصلتاً عليهم؛ لحملهم على أن يأخذوا بقولهم؛ فاستعدوا عليهم السلاطين، وعزلوهم بسببها من وظائفهم، وجردوهم من إمامة الناس في الصلاة، والتدريس والفتوى والوعظ.

-اعتبار مسائل البدع العملية من قضايا الاعتقاد:

فلو سلمنا بالتفريق بين مسائل الفروع والأصول، والقطعية والظنية فإن مسائل البدع العملية التي يختلف فيها الناس، وتبنى على الاستنباط هي من مسائل الفقه والظن لا من مسائل القطع واليقين، وتكون في أبواب الفقه، وليست في أبواب العقائد، وعلى التسليم بالفرق فإن محل مصنفات البدع العملية هو قسم الفقه وليس قسم العقيدة.

3 - عدم التفريق بين النوع والعين:

في هذا الباب وقع ما يُعد من أعظم العدوان على المخالف؛ فبسببه وقع التكفير والتفسيق والتبديع على المعين.

وبسببه حصل الاقتتال في هذه الأمة، وبدت ظاهرة الغلو والعنف.

وإنما كان مقصود الشريعة في هذه الأسماء أمران:

الأول: الإعذار إلى من كان متصفا بهذه الصفة؛ ليقلع عن فعله، أو أن تكون الحجة قد قامت عليه؛ فيقع مقصود الشريعة بأن لا يعاقب إلا بعد إعذاره.

قال الله تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" رواه الشيخان من حديث ابن مسعود.

الثاني: إنذار المتردد، ومن في قلبه مرض أن لا يسلك سبيلهم.

أما تطبيق ذلك على الأعيان من أهل القبلة فليس حتماً لازماً؛ فلو تركه المرء لم يكن مخالفاً لمقصود الشريعة في وضع هذه الأسماء.

4 - معذرة المخالف:

وهذه المعذرة ينبغي أن تُعتبر في الحاكم على الناس بأي حكم، وكذلك في المحكوم عليه، أما في الحاكم فظاهر؛ حيث ينتفع بذلك في اعتبار معذرته، وأما في المحكوم عليه فينبغي أن يعذر الحاكم عليه؛ مادام مجتهدا متحرياً للحق.

وأسباب هذه المعذرة كثيرة؛ فمنها:

-الحسنات الماحية

-التأويل السائغ، أو ما يسوغ من مثله

-التقليد السائغ ـ، أو ما يسوغ من مثله

-الجهل

-استقرار البدعة وشيوع المخالفة.

يتبع بإذن الله تعالى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير