تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن لبعض الناس قابلية شديدة لعلوق الأشياء القذرة في قلبه فيما لا تقبل علوق الأشياء الخيرة؛ فتخرج النتيجة المرة البئيسة: أنه لا يراه إلا من خلال أخطائه، فيسقط اعتباره بالكلية، ويتولد في قلبه من الحقد والكراهية ما يحمله على العدوان عليه وبخسه حقوقه.

ويزين له الشيطان أنه إنما فعل ذلك نصرة لدينه وغيرة على عقيدته.

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم جعل مسيره إلى قريش في سراً؛ ليجعل من عنصر المفاجأة سببا لحسم المعركة؛ فقام حاطب بن أبي بلتعة بعمل خطير آثاره مدمرة حيث سعى لتبليغ المشركين بذلك.

فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لقد جعل من حسناته سببا للعفو عنه.

وإذا رجعت إلى الواقع وجدت أن أكثر الخلاف وأكثر العدوان على المخالفين راجع إلى ترك هذه القاعدة أو التفريط فيها.

فكثير ممن فوقت لهم سهام العدوان، وتمزقت الأمة بسببه هو ضياع هذا الأصل.

5 - أن لا يخضع في تعامله معه لتصنيف:

صار عسيرا على كثير من الناس أن يرى إنسانا آخر، أو يسمع به فضلاً عن يدخل معه في حديث أو علاقة بله أن يختلف معه إلا رأيته في سر أو علن يبحث عمن يكون هذا الشخص؟ .. في توجهه .. في تاريخه .. في جغرافيته؛ ليجعل من هذه التصنيفات أساساً للحكم عليه والتعامل معه.

ليس ذلك لفهم النفسيات ومحاولة الوصول إلى حلول لمشاكله؛ وإنما لأسباب غير مفهومة؛ حتى صارت هذه التصنيفات قيوداً في حركة المصنِّف عن الانطلاق مع الآخرين، وعشىً في الرؤية؛ بما ينتهي ظلما في التعامل، وجوراً في الأحكام.

ولهذا لا يتحقق تمام العدل مع المخالف إلا بالتخلص من هذه العادة النفسية البئيسة؛ وذلك لننتفع من الخلق وننفعهم بعيدا عن أي صوارف أو مؤثرات.

وليحذر المرء أن يذهب لبه وديانته حين يرى حمى التصنيف، وفوضى التهم، والالتفاف حول الهويات المتنوعة؛ فيحمله ذلك على خوض هذا الغمار، والدخول تحت ذلك الغبار؛ فصاحب اللب والديانة أكرم على الله من ذلك

ومن الجور في التعامل مع المخالف أن يخضع المرء في تعامله معه لتصنيف بحيث ينظر إلى الآخرين من زاوية مذهبه وحزبه وإقليمه؛ حتى لو لم يصنف هو أحداً؛ فلن يكون عادلاً منصفاً إلا إذا جعل ميزان الحكم على الآخرين والتعامل معهم بناء على ما يقولون ويفعلون مجرداً من أي تأثيرات أخرى، وبحسب الأدلة والقواعد، وإلا سلك طريق الظلم والعدوان دون أن يدري، وإن كان ديناً صالحاً.

ـ[أبو الطيب الروبي]ــــــــ[17 - 06 - 09, 10:18 ص]ـ

الحلقة الرابعة:

رابعا: قواعد السياسة الشرعية:

تُسن الأحكام في هذه الشريعة لتؤدي مقاصدها، وكان من سعتها وشمولها أن جاء في قواعدها العامة ما يعالج بعض الحالات الخاصة بصورة استثنائية، وكانت هذه الأحكامُ الاستثنائيةُ موافقةً لهذه المقاصد، متسقة مع تلك الأهداف.وذلك مثل قواعد تعارض المصالح والمفاسد.

فمن قواعد السياسة الشرعية:

1 - أن يعتبر اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة والأشخاص:

فلا يظهر في مكان عملاً في مسألة قد استقر الناس على خلافها بحجة أن الخلاف فيها سائغ؛ فإن هذا مما يزيد الخلاف ويوسع الشقة بين المسلمين؛ كإظهار المولد في مكان أطبق الناس فيه على عدم شرعيته، لكن معرفة درجة الخلاف ينفع في معذرة المتأولين في مكان آخر.

ومن ذلك أن يؤخر في بعض الأمكنة محاربة بعض البدع العملية الجلية؛ كتأخير إنكار صلاة الرغائب من أجل معالجة شرك أكبر في الربوبية والإلهية

2 - أن لا يمتحن المخالف في معتقده:

كان السلف يرون امتحان المرء لإخراج مكنونات معتقداته من البدع.

وإظهار المعتقدات المستترة بامتحان الناس فيها وإن كان يُعتبر ـ بادي الرأي ـ من حرب الآراء المخالفة في وكرها، ومن كبتها قبل أن تخرج إلى الناس، أو ما يسمى بالحرب الاستباقية إلا إنها تنطوي على مفاسد أعظم من ذلك؛ فمنها:

-دفع صاحبها إلى إظهارها والمنافحة عنها؛ فإن الرأي حين يكون حبيس الأضلاع فإنه لا يُنسب إلى معتقدِه، لكنه إن ظهر صار منسوباً إليه، وأصبح أكثر استعدادا لتبنيه، والدفاع عنه. كما أنه يدفعه إلى مراغمة مخالفيه وممتحنيه بالصدع بمعتقده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير