لأنه يعلم أن الاستجداء والإلحاح في الطلب أمر غير مقبول.فقدكان جرير مثلا أحد رموز الشعر العربي في عصر بني أميه، ولا يختلف أحد في أنه كانذائع الصيت ولديه من القدرة الشعرية ما لديه. لكنه مع ذلكلما استجدى بشعره وألحّ في الطلب وأراق ماء وجهه في سلاطين الخلفاء نزلت منزلته عندالناس.
دخل على عبد الملك بن مروان ليقول له:
أتصحوا أم فؤادك غير صاحي ..... عشية هم صحبك بالرواح
تقول العاذلات علاك شيب ..... أهذا الشيب يمنعنيمراح
يكلفني فؤادي من هواه ..... ضعائن يجتزعنعلى رماح
عرابا لم يدن مع النصارى ..... ولم يأكلنمن سمك القراح
ولا خلاف في جمال المطلع ثم ينزل ليقول:
تعزّت أم حزرة ثم قالت ..... رأيت الواردين ذوو امتياح
تعلل وهي ساغبة بنيها ..... بأنفاس من الشبب القراح
أغثني يا فداك أبي وأمي ..... بسيب منك أنك ذو ارتياح
سأشكر إن رددت عليّ ريشي ..... وأنبت القوادم من جناحي
فأقول:إن العقلاء لا يرضون هذا بمن حولهم، والنبيصلى الله عليه وسلم أسوة في كل خير، فلما شعر عليه الصلاة والسلام بقلة ذات اليد عند جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فيسفر له قال عليه الصلاة والسلام لجابر: (أتبيعني جملك؟) قال: نعم يا رسول الله بكذا وكذا، فاتفقا على السعر واشترط جابر أن يركب الجمل حتى يصل إلى المدينةفوافق النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم إلى المدينة أمر صلى الله عليه وسلمبلالا أن يعطي جابرا ثمن الجمل ثم رد الجمل إلى جابر فكأنه أعطاه المال منحة وهبةلكن جعل مسألة البيع مدخلا نفسيا إلى قلب جابر دون أن يخدش عزته وحياءه.
والمرأة اللبيبة إذا شعرت أن إحدى جاراتها أو زميلاتها أو قريباتها قليلة ذات اليد انتهزت فرصة يتهادى النساء فيها فيالغالب كأن تضع المرأة مولودا أو تزف ابنة لها أو تنتقل إلى دار جديدة أو ماشابه ذلك فتأتي بالهدية على مستوى أعلى حتى تسدد شيئا من فقر قريبتها أو غيرها من النساء دون أن تخدش وأن تجبر صاحبتها على أن تطلب ذلك الأمر جهارا.
وينبغي على الآخرين على الذين نهبهم ونعطيهم إذا قُدر لنا ذلك أن لا يصيب الإنسان مضاضة في ذلك الأمر فإن الإنسان إذاأخذ مالا دون أن يطلبه فقد وافق السنة، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث سالم ابن عبد الله ابن عمر عن أبيه عبد الله ابن عمر عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عمرا مالا فقال: يا رسول الله! إن في المدينة من هو أفقر مني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: (يا عمر ما جاءك من هذا المال من غير أن تكون مشرفٍٍ له ولا سائل فخذه وتموله فإما أن تنفقه على عيالك وإما أن تهبه لغيرك وما كان لا فلا). أي: ما لم يأتك فلا تطلبه ولا تسأله. قال سالم: فكان أبي، أي: عبد الله ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا وإذا أحد أعطاه قبله.
وقد ثبت أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه قبل أعطيات الحجاج بن يوسف رغم ما عرف عن الحجاج واشتهر أنهرجلا ظالما غشوما , وربما كانت غالب أمواله ليست من طريق سليم شرعي.
والمقصود منه: أن حفظ الإنسان لإخوانه وخلانه ومراعاته لشؤونهم وتحمله لهم ماديا ومعنويا مما يكتب له به الأجر ومما يدل على السؤدد والمروءة وعلو القدر. وكلنا إن شاء الله طالب تلك الرفعة الدنيوية المشروعة.
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
نقلا عن صيد الفوائد
ـ[قيس بن سعد]ــــــــ[03 - 08 - 09, 07:50 ص]ـ
أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في دعائه (اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال)
وأخرج أبو داوود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد يوماً ورأى رجل من الأنصار يقال له أبو أمامه فقال له – أي النبي صلى الله عليه وسلم – قال لأبي أمامه: (مالي أراك جالس في المسجد في غير وقت صلاة) فقال: يا رسول الله همٌ نزل بي وديون لزمتني، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أعلمك كلمات إن قلتها أذهب الله همّك) قال قلت: بلى يا رسول الله قال: (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت (اللهم إني أعوذ بك من الهّم والغم ومن العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل
¥